[المسألة الثالثة عشرة: الطبع والختم]
  وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}[طه: ١٣٠].
  فهل يقول أحد من ذوي العقول: إن من كانت هذه حاله كان مختوماً على سمعه، ورسول الله ÷ يناجيه ويناديه؟ وهل يجوز على الرسول أن ينادي ويناجي من سمعه مختوم؟
  وكذلك كان نظرهم وأبصارهم فيما يأمرهم الله أن يبصروه من السموات والأرض إذ يقول: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ٦}[ق]، فهل يجوز على الله أن يأمر بالإبصار على(١) من هو بالختم أعمى؟ فهذا ما لا يجوز على ديان الآخرة والدنيا، ولن يقدر أحد أن يقول إنهم كانوا عمياناً لا يبصرون، وإنهم كانوا صماً لا يسمعون، ومن ذلك ما قد بان منهم ما كانوا عليه من الكمال والمعرفة، والعقول والتمييز في كل حال.
  فإن قالوا: إن الله طبع على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم عما جاء به الرسول من الحكمة والقول فقط، وخُلُّوا وما سوى ذلك - فقد وقعوا في أعظم مما كرهوا من المهالك؛ إذ زعموا أن الله سبحانه ختم على شيء بعينه على سمعهم وأبصارهم فلا يبصرونه ولا يسمعونه، وطبع على قلوبهم فلا يفقهونه ولا يميزونه، ثم أرسل نبيه ÷ يدعوهم إلى مغالبته ونفي ما فعل بهم ربهم(٢) وركب فيهم، وتغييره تعالى الله عن ذلك وإزاحته عن أنفسهم؛ إذ كان قد أرسله إليهم يدعوهم إلى الإيمان والاهتداء والخير والبر والإحسان والطاعة له ولنبيه والاستماع لأمرهما والعمل بالقول وباللسان والضمير بطاعتهما، وقد علم أنهم لا يقدرون على ذلك، فنسب من قال بهذا إلى الله العبث والاستهزاء بنبيه ÷، وزعم أن رسول الله ÷ أتاهم يدعوهم إلى المحال، ويأمرهم بالمغالبة والدفع لما فعل فيهم ذو الجلال.
(١) (على): زيادة من (ب، هـ).
(٢) (ربهم) ساقط من (ب، ج، هـ).