[المسألة الثالثة عشرة: الطبع والختم]
  ألا تسمع كيف قد أثبت لهم الفهم بما يقال لهم، والمعرفة بما يتلى عليهم في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ٢٥}[محمد]، فأخبر الله الواحد الجليل فيما أوحى ونزل من التنزيل أن الهدى قد تبين لهم وصح لديهم وثبت في قلوبهم، ولولا سلامة القلوب من الختم الذي يذهب إليه الجاهلون ويقول به على الله سبحانه الظالمون لم يثبت أبداً في قلوبهم الهدى، ولو لم يثبت لم يبن.
  ثم أخبر الله ما سبب ارتدادهم في الطغيان ومعصيتهم من بعد أن بين لهم ذلك الرحمن فقال: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ٢٥} ولم يقل: الرحمن ردهم وأضلهم، ثم أخبر بالسبب الذي كان عنهم فتمكن - إذ قالوه - الشيطان منهم فقال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ٢٦}[محمد].
  ثم أخبر بما يصيرون إليه عند موتهم من ضرب الملائكة لوجوههم وأدبارهم فقال: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ٢٧}[محمد]، ثم أخبر لم فعل ذلك بهم وحتم عليهم بضرب الملائكة لوجوههم وأدبارهم فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ٢٨}[محمد]، ثم قال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ١٠}[محمد]، أفيظن أحد ممن وهب لباً وتمييزاً وعلماً أن الله سبحانه أوجب ما أوجب عليهم، وذكر ما ذكره عنهم وأمرهم بالسير(١) في الأرضين والنظر في آثار الأولين ممن هلك بما هم عليه من الكفران وبما يختارونه من الفجور والعصيان، ولم يجعل لهم إلى ذلك سبيلاً، ويركب إليهم فيه دليلاً، وهم لا يقدرون على ذلك لما قد فعله بهم من الختم على
(١) في (ب، هـ): بالمسير.