مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الثالثة عشرة: الطبع والختم]

صفحة 393 - الجزء 1

  أسماعهم وأبصارهم والطبع على قلوبهم التي بها يعقلون، وبسلامتها يميزون ويفهمون؟ كذب العادلون بالله والقائلون الزور على الله، بل سلم ذلك لهم ووفره لإكمال الحجة عليهم، ثم أمرهم بالتسديد {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}.

  ثم نذكر من بعد دفع هذه المهالك ونشرح الصدق بما علَّمنا الله من ذلك فنقول: إن معنى الختم والطبع من الله تبارك وتعالى هو على معنى التمثيل لهم والتقريع وإثبات الحجة عليهم وتبيين ضلالتهم لهم، فيقول سبحانه: إن امتناعكم من فعل⁣(⁣١) الرشد وقلة قبولكم له كمن طبع على قلبه بما مُنِعَه من لبه وحرمه من تمييزه ونظره وجودة فهمه، وبما عدم من النظر والغوصان في بحور الفكر من البهائم التي قد منعها الله من ذلك كله؛ إذ لم يجعل لها عقولاً تميز بها، فلما أن لم يجعل لها سبيلاً إلى ما يناله البشر من العقل والفهم والتمييز والنظر، كان ذلك منه فيها فعلاً، وكان منه طبعاً على قلوبها عما فهمه من التمييز أربابها، فمثلهم في قلة تفهمهم وإنصافهم لمعقولهم وتركهم لرشدهم واتباعهم لغيهم بمن طُبِع على قلبه وختم عن التمييز على سمعه وبصره، عن أن تعلم ما يعلمون أو تفهم ما يفهمون من البهائم التي جعلت قلوبها على غير ما جعلت قلوبهم من ذلك، وختم عليها فكانت بهائم سوائم كذلك، ألم تر كيف يقول ذو العزة والإنعام: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ١٧٩}⁣[الأعراف]، وقال: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ٤٤}⁣[الفرقان]، يقول: إذ أعطوا من الفهم والتمييز والنطق⁣(⁣٢) وجودة التحرف في غامض الفكر ما لم تعطه البهائم وما قد حجبها عنه العزيز العالم⁣(⁣٣)، وخلقها على غيره من الخلق وصورها على ما قد يراه جميع الخلق، فأبوا استعمال ما ركب فيهم، وامتن الله به سبحانه عليهم، وتركوا النصفة وأخذوا في المكابرة


(١) في (ب، ج، هـ): قول. ولعله الصواب.

(٢) في (ب، ج، هـ): والنظر.

(٣) في (ب، هـ): العليم.