[المسألة الثالثة عشرة: الطبع والختم]
  والمعاندة لربهم والكفر لنعمة خالقهم، فكانوا لذلك وفيه أضل من الأنعام؛ إذ تركوا ما لو علمته الأنعام وعرفته وميزته وفهمته لقبلته ولسارعت إليه، ولدخلت بأجمعها فيه، ثم لثابرت إلى الممات عليه.
  فهذا - والحمد لله - قول لا ينكسر على من قال به، بل يضح، وينير لذوي العقول ويستبين ويصح.
  وقد يخرَّج ذلك على معنى آخر فيكون على قدر علمه منهم بما سيكون من اختيارهم للضلال وإيثارهم للسفال، وتركهم للهدى وقلة رغبتهم في التقى، وأنهم لِعَنَتِهم وحميتهم وشدة حسدهم لنبيهم لا يختارون ما جاء به من الله برأيهم(١)، وأنهم لا يطيعونه فيما دعاهم من حظهم إليه، وأنهم سيجاهرون بالجرأة عليه، فلما أن علم الله منهم أنهم يختارون بما ركب فيهم من القدرة والاستطاعة وسلم لهم من الجوارح والآلةِ - معصيتَه على طاعته ومخالفة مرضاته(٢)، وأنهم يلقونه يوم الحشر كفاراً كذلك؛ فختم لهم إذ قد علم صيور أمرهم بذلك فكان الختم منه عليها إخباراً منه بما علم من غاية أمرهم، فختم عليها ولها بما علم أنه يكون آخر اختيارها وعملها.
  وكذلك قيل في محمد سيد المرسلين إنه ÷ خاتم النبيين فسمي خاتمهم؛ إذ كان آخرهم، فلما أن علم الله آخر أعمالهم وما عليه يكون فناء آجالهم ختم بذلك عليهم ودعاهم به وذكره عنهم وفيهم، فكان ذلك العمل منهم اختياراً، وكان ما قال (الله)(٣) فيهم منه إخباراً.
  وأما ما ذكر الله من الطبع على قلب من على قلبه طبع فسنقول فيه بوجهٍ، من قال به إن شاء الله أصاب، ووجده بيناً نيراً في اللسان والإعراب، وهو ما تقول
(١) (برأيهم) ساقط من (ب).
(٢) (ومخالفة مرضاته) بدلها في (ب، ج، هـ): ومخالفته على مرضاته. ولعلها الصواب.
(٣) (الله) غير موجود في (ب، ج، هـ).