مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

مقدمة الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي #

صفحة 39 - الجزء 1

  تُصْرَفُونَ}⁣[يونس: ٣٢]، وقال الرسول ÷: «افترقت أمة أخي موسى إلى إحدي وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار، وافترقت أمة أخي عيسى إلى اثنتين وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية والباقون في النار، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية والباقون في النار»، وهذا الخبر متلقى بالقبول، فكلام من شكك فيه غير مقبول، وقال وصيه علي بن أبي طالب ~: (ما وحده من كَيَّفه، ولا حقيقته أصاب من مَثَّلَه، ولا إياه عنى من شَبَّهَه، ولا صَمَدَه من أشار إليه وتوَهَّمَه)، وغير ذلك مما هو معلوم بين الأمة.

  ثم إنه معلوم بضروريات المعقول عدم صدق المتناقضات وما إليه تؤول، وقد قال جل ذكره: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}⁣[الزمر: ٣٢]، فكيف تكون هذه الفرق كلها ناجية على اختلاف أهوائها وتباين آرائها؟! {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ}⁣[المؤمنون: ٧١].

  وقد أوضح لهم الدليل، وأنهج لهم السبيل، بما ركب فيهم من العقول، وأتاهم به الرسول، فلم يكن خلاف من خالف، وشقاق من شاقق، فيما هذا حاله إلا إخلالاً بما كلفه الله تعالى من معرفته، أو عناداً لما احتج به عليه من حجته، ألم ينههم عن التفرق في الدين، والاكتفاء بالظن فيما لا بد فيه من اليقين؟ قال جل ذكره: {وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}⁣[الأنعام: ١٥٣]، وقال ø: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}⁣[الشورى: ١٣]، وغير ذلك مما احتج به على الخلق، وأرشدهم به إلى الحق.

  وقد طرحت هذه الفرق حجة الله الكبرى عليها، وهي العقول التي ميّز الله تعالى بينها وبين البهائم بها، فألهمها فجورها وتقواها، فمنهم من شبّه الله بخلقه، ومنهم من أثبت قدماء مع الله؛ ولو شابهها لشاركها فيما لأجله قضت العقول