[المسألة الرابعة عشرة: معنى زيادة المرض من الله في قلب الإنسان]
  وقد يكون ذلك المرض حل في قلوبهم لشدة الحسد منهم لنبيهم ÷ على ما جعل الله من البركات واليمن في كل الحالات لديه، ولما خصه الله به دونهم وآثره به سبحانه عليهم من هبوط الملائكة نحوه، وما عظم به الله(١) له خطره وقدره، فجعله الله له صفياً يوحي إليه، وينزل إليه وحيه بفرائضه عليه، وما خصه به من أن جعل طاعته له طاعة، ومعصيته له معصية، فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[النساء: ٥٩]، وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]، وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[الفتح: ١٧]، فلما أن رأت قريش هذه الكرامات البينات النيرات التي لا يقدرون على دفعها ولا يأتون أبداً بمثلها اشتد لذلك حسدها لرسول رب العالمين وعهدوا(٢) عليه وعلى من تبعه(٣) من المؤمنين فمنعه الله منهم، ورد حسدهم وبغيهم في نحورهم، فنصبوا له المحاربة وطالبوه أشد المطالبة فردهم الله بغيظهم، كما قال سبحانه: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ٢٥}[الأحزاب]، وذلك حين تحزبت قريش والعرب وطلبوا رسول الله ÷ غاية الطلب فكفاه الله في ذلك اليوم والمسلمين القتال بأخيه ووصيه علي بن أبي طالب أفضل المستشهدين، فقتل عمرو بن عبد ود اللعين، وكان عماد المشركين وفارس المتحزبين، فانهزم بقتله(٤) جميع الكافرين، وفَلَّ الله حد المبطلين، وأظهر دعوة المحقين، ونصر رسوله خاتم النبيين، وكبت أعداءه المحادين، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
(١) (الله) غير موجود في (ب، ج، هـ).
(٢) أي: تعاهدوا، يعني: أنهم أخذوا من بعضهم الآخر العهود والمواثيق ضد رسول الله ÷.
(٣) في (ب) (معه) بدل: تبعه.
(٤) في (ج، هـ): لقتله.