[المسألة الرابعة عشرة: معنى زيادة المرض من الله في قلب الإنسان]
  وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ٥}[المجادلة]، فلما أن أذلهم وهزمهم وكبتهم كما كبت الذين من قبلهم، تدارك الكبت في قلوبهم، وترادفت الحسرات في صدورهم، ومرضت لذلك وبه منهم القلوب، وأحاطت به منهم الذنوب، فهم في كل يوم يرون من نصر الله لنبيه ويسمعون عنه ما يزيدهم حسداً ويحدث لهم به في قلوبهم مرضاً، حتى صدق الله رسوله الرؤيا بالحق التي كانت في غزوة الحديبية، أراه وأكمل له من دخول مكة آمناً، لا يخاف رصاداً فنزل بالمشركين من ذلك ما كانوا يخافون، وحقق الله لرسوله ما كانوا يحذرون، {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}[الحج: ٦٠] {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٤٠].
  وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ٧٥ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ٧٦ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ٧٧}[التوبة]، فقد يمكن أن [يكون](١) الله سبحانه لما أن كذبوه وأخلفوه خذلهم، ومن الإرشاد والتوفيق تركهم، فتكمهوا في ضلالهم وارتكبوا من أعمالهم، فأعقبهم كثرة ضلالهم وعظيم اجترائهم على قول الزور والبهتان وارتكاب الضلال والعصيان تمادياً في ذلك حتى مردوا على الكذب والفساد والنفاق، وقول المحال والإلحاد، فيجوز أن يقال: أعقبهم الله نفاقاً؛ إذ تركهم من التوفيق والتسديد والتحقيق حتى غلب عليهم الهوى، ورفضوا الخير والهدى، واستعملوا بينهم النفاق في كل أمرهم فعادوا منافقين وللرشد تاركين، ينافق بعضهم بعضاً ويقرضه في الغيب له قرضاً.
  وقد يكون الذي أعقبهم في قلوبهم النفاق هو فعلهم وكذبهم وغدرهم في موعدهم الذي أوجبوه لخالقهم وذلك أن الكذب والردى يجر بعضه بعضاً، فلما أن كذبوا فيما قالوا ووعدوا خالقهم من أنفسهم فأخلفوا كانوا لغيره فيما يعدون
(١) ما بين المعقوفين من (ج، هـ).