مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الخامسة عشرة: هل يعذب الله عباده على ما صنعه فيهم؟]

صفحة 404 - الجزء 1

  وأجل وأحلم من أن يُدخِل عباده في سبب من الأسباب أراده ثم يعذبهم عليه ويعاقبهم⁣(⁣١) فيه، إن هذا إذاً لأجور من الفعل، وإنه من فاعله لأجهل الجهل.

  فلو كانت أفعاله لا تتم إلا بأفعالهم لكانت حاله في العجز كحالهم، ولكان مضطراً إلى خلقهم وإيجادهم؛ إذ لا يتم له فعل إلا بأعمالهم، فلقد آتاهم؛ إذاً نظراً منه لنفسه لا لهم، وضرورة الخالق إلى الخلق في فعله كضرورة الخلق إلى الخالق في أمره، فكلٌّ إلى غيره محتاج، وذلك فبين على قياسهم في المنهاج، ولو اشتبهت الحالات لاشتبهت بلا شك الذات؛ فسبحان من بان عن خلقه فليس له حد ينال ولا مثل يضرب له به الأمثال، الذي بان من كل فعل فعله، وجل عن كل قول قوله.

  وأما ما قال من قوله: هل يقدر الخلق على أن يخرجوا مما أدخلهم الله فيه وصنعه بهم؟ فإن إدخال الله وصنعه بالعباد يكون على معنيين كليهما متضادين:

  أحدهما: إدخال حكم وأمر وافتراض منه معه تمكين واختيار، لم يرد الله أن يدخلهم فيه جبراً، بل أراد أن يدخلوا اختياراً بما ركب فيهم وأعطاهم من الآلات والاستطاعات ليكمل لهم الثواب على الطاعات، ولو أدخل قوماً في الطاعة وأدخل آخرين في المعصية ثم أثاب وعاقب لكان على غير فعلهم عاقب وأثاب، جل الله عن ذلك رب الأرباب، فهم قادرون على الخروج من هذا الفعل على ما ذكرنا من تمكين الله الواحد الأعلى.

  وأما المعنى الثاني الذي أدخلهم فيه وصنعه بهم فهو: ما خلقهم عليه وصورهم من الخلقة، وقومهم عليه من الفطرة، من الأجسام والعروق والعصب والعظام، والأسماع والأبصار، وما عليه الجن من السرعة والذهاب في الهواء، وما خلق عليه الآدميين من الثقل والجفاء⁣(⁣٢)، فلا يقدر جني يزيح ما فيه


(١) في (ب، ج، هـ): أو يعاقبهم.

(٢) جفاء الشيء عليه: ثقل. (معجم وسيط). فيكون عطف تفسير.