مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]

صفحة 406 - الجزء 1

  صبّرهم، وآجرهم على الثبات وهو ثبّتهم، وآجرهم على ائتلافهم وهو ألَّف بينهم، وآجرهم على صرامتهم وهو ربط على قلوبهم، وآجرهم على ظفرهم وهو ألقى الرعب في قلوب عدوهم، وهذا كله خلاف لقولهم ورد عليهم.

  فجعل غلبة المؤمنين الكافرين نصراً وعزاً وتأييداً، وجعل غلبة الكافرين دولة بلاء وإملاء، فأنزل في قتال المؤمنين الكافرين بأحد: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}⁣[آل عمران: ١٥٣]، أما الغم الأول فالهزيمة والقتل، وأما الغم الآخر فإشراف خيل الكفار على الجبل حتى أشرفوا عليهم فظنوا أنها الهلكة قال الله تعالى: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} من الغنيمة {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} يعني من قتل من إخوانكم، قال: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ١٥٣}⁣[آل عمران].

  فإن قالوا: إن الله إنما فعل ذلك بذنوبهم ومعصيتهم. قيل: فإنه إنما عصى منهم نفر يسير وهم الرماة نحو من خمسين رجلاً، فقد عم ذلك البلاء جميع المؤمنين حتى وصل إلى نبي الله ÷ فشج [في]⁣(⁣١) وجهه وكسرت رباعيته، وقد كان المسلمون يوم أحد سبعمائة أو يزيدون، فأخبر الله أنه صنع ذلك بهم فأثابهم غماً بغم، أفليس الله قد أراد أن يصيبهم ذلك بأيدي الكافرين، ولأن ينهزموا، وأن يقتل من قتل منهم، ثم أخبر أيضاً بما صنع بهم بعد الذي كان منه إليهم من الغم فقال: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[آل عمران: ١٥٤]، قال الله لنبيه: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}⁣[آل عمران: ١٥٤]، [ثم قال]⁣(⁣٢): {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ}⁣[آل عمران: ١٥٤]، فأخبر عما أخفوا في أنفسهم فقال: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}⁣[آل عمران: ١٥٤]، يقولون: لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال الله تكذيباً لهم: {قُلْ لَوْ


(١) ساقط من (ب، ج، هـ).

(٢) ما بين المعقوفين سقط من (ب، ج) ولعلها سهو من النساخ.