[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]
  كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}[آل عمران: ١٥٤]، فأخبر أنه قد كتب القتل على قوم قبل أن يقتلوا، وجعل لهم مضاجع إليها يصيرون، ثم نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأن يظنوا بالله كظنهم فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ١٥٦}[آل عمران]، وقال في غلبة الكافرين المؤمنين وهزيمة المؤمنين فقال: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ١٤٠}[آل عمران]، وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ١٦٦ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا}[آل عمران]، في آي كثيرة يخبر أن الأمر كله منه وهو يدبر أمر خلقه ويصرفهم كيف يشاء، وأخبر أن الذي أصاب المؤمنين يوم أحد إنما كان بإذن الله من قتل الكافرين إياهم وهزيمتهم لهم، حتى قتل منهم سبعون رجلاً، وأنتم تزعمون أنه لم يأذن في المعاصي، وأنها لا تكون بإذنه، ولكن الإذن قد يكون على معنيين: أما أحدهما: فيكون أمراً منه يأمر به، والآخر يكون إذناً على وجه الإرادة أنه أراد أن يكون؛ لأنه فعال لما يريد.
  ثم قد عيَّر الذين قالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزىً: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا}[آل عمران ١٥٦]، وكذّبهم وأخبر بما قد سبق منه لهم وما قد كتبه عليهم، وعيّر الذين قالوا: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}[آل عمران: ١٥٤] [فكذبهم الله لما قالوا من ذلك](١).
  فلو تدبرتم كتاب الله وآمنتم بما فيه ما عارضتم أمور الله تعالى [ولا عِبْتُم](٢)، ولفهمتم قضاءه، تردون عليهم برأيكم أمره، وتعقبون حكمه، وتظلّمون عدله،
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).