مقدمة الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي #
  بحدوثها، واستدلت به على موجدها، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وقد قال تعالى نفياً للمثل بطريقة الكناية أو مجاز الزيادة في الذكر المنير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]، وقال تعالى فيما أفاد عموم السلب من الأخبار: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: ١٠٣]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: ٤]، فانحط صاحب هذه المقالة عن دائرة التوحيد، وتفكر في خالقه وهو لا يعرف ماهية نفسه، وتركيب حقائقه، التي هي مخلوقة موضوعة، مقدرة مصنوعة، وكيف يطمح بجهله إلى التفكر في رب العالمين، المتعالي بجلال العزة والعظمة عن المخلوقين، {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إذا شَاءَ أَنْشَرَهُ كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ فَلْيَنْظُرْ الإنسان إلى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا}[عبس: ١٧ - ٢٦]، سبحان الله الملك الحق المبين، ما أوضح آياته، وأصرح بيناته، وأبلغ نعماءه، وأسبغ آلاءه.
  هذا، وقد أرشدنا ذو العزة القاهرة، والعظمة الباهرة، إلى النظر في عجائب مصنوعاته، وغرائب مبتدعاته، التي حارت فيها العقول، مثل قوله ø: {إن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة: ١٦٤].
  ومنهم من دخل في ظلال الجبر والظلمة، ونبذ العدل والحكمة، وزاغ عن الهدى والرحمة، وقد قرع سمعه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران: ١٨]، وقوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ}[آل عمران: ١٠٨]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: ٣١]، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَاد}[البقرة: ٢٠٥]، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧]، وقالت الجبرية: بل أراده وشاءه وخلقه وارتضاه، فأبطلوا حجة الله على خلقه، بإنزال كتبه،