[الجواب]
  عنده بين ما ارتضاه وبين ما سخطه وأباه، وهل يأمر بحياطة ما لا يريد إلا الجاهل غير الرشيد؟! فإن كان حكم عليهم بعمل الردى لما أراد بهم بزعمهم من الشقاء، فعلى ماذا يعذبهم ويشقيهم، وفي الحميم يصليهم، وهم له طائعون وفي إرادته منهم متصرفون؟ أهذا عندهم من صواب الحكيم العدل في فعله الرحيم؟ بل هذا من فعال الجائرين، وأعظم ما عاب سبحانه من اعتداء الظالمين.
  فلا يجدون بداً من أن ينسبوا إلى الله التجهيل والظلم والتعدي والجور الجليل، أو يدخلوا في الحق ويرجعوا إلى الصدق فيقولوا: إن الله أمر وأراد حياطة ما ارتضى، وكره ونهى عن حياطة ما لم يشأ.
  وأما ما ذكر من قول الله ø: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٤٣ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال]، فقال وتوهم أن هذا الأمر المفعول الذي يقضيه الله هو قضاؤه على الفريقين بالقتال والمزاحفة والاقتتال، وليس ذلك - ولله الحمد - على ما قال، ولا على ما توهم من المحال، أن الله يقضي على الكافرين بقتال المؤمنين، ولا أنه يقلل المؤمنين في أعين الكافرين تشجيعاً منه لهم على قتال المؤمنين وتأييداً بذلك لهم على المهتدين، ولكن قللهم في أعينهم؛ لكيلا يروهم بحالة الكثرة مع ما في قلوبهم من هيبة الروعة فيهزموا(١) ويذهبوا ويرجعوا ولا يقاتلوا، فكان ذلك خذلاناً لهم وحرباً(٢) عليهم، وقللهم في أعين المؤمنين لكيلا يروهم على الكثرة التي كانوا عليها فيهابوا ويخافوا، فقللهم في أعينهم تأييداً منه لهم، ومعونة وإحساناً إليهم.
  فأما قوله: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} فمعناه: ليقضي الله وعداً كان
(١) في (ب، هـ): فينهزموا.
(٢) في (هـ): وحزناً.