[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]
  منجزاً، وهو ما وعد رسوله والمؤمنين من النصر إذا نصروه، والتسديد لهم إذا قصدوه، ألا تسمع كيف يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ٧}[محمد]، ويقول: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: ٤٠]، فقضى تبارك وتعالى لرسوله وللمؤمنين عند الالتقاء بما وعدهم من النصر، وفعل لهم بما(١) ضمن فعله(٢) من الأمر، وتغنيمهم ما وعدهم من إحدى الطائفتين: طائفة الجيش وطائفة العير، فغنمهم الله طائفة الجيش كما وعدهم من الأمر، وانجاز ما وعد المؤمنين من النصر على الكافرين، فهو الأمر الذي ذكر الله أنه(٣) كان مفعولاً، لا ما يتوهم أهل هذا القول الفاسد المخذول.
  وأما قوله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٦٣}[الأنفال]، فنصر الله رسوله كما قال سبحانه: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ٢٦}[الفتح]، فألف الله على ذلك بين المؤمنين، لا كما ظن الحسن بن محمد وأصحابه أهل العمى والقول بالردى، أن التأليف من الله كان بين الكافرين والمؤمنين في القتال، وأنه ساق بعضهم إلى بعض جبراً حتى ألف بينهم للقتال، وهذا فأحول المحال، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ألا ترون كيف قال: {أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} فرد اسم المضمر في الهاء والميم من «قلوبهم» على الاسم الظاهر من «المؤمنين»؟ فسبحان أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
  وأما ما سأل عنه من قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى
(١) في (ب، هـ): ما.
(٢) في (ب، هـ): فعاله.
(٣) (أنه) ساقط من (ب، هـ).