[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]
  الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}[الأنفال: ٧]، وقال: لو لم يخرج المشركون أليس كان يبطل وعد الله لنبيه وللمؤمنين؟ فقولنا في ذلك:
  إن الله سبحانه وعد نبيه كما قال إحدى الطائفتين طائفة العير وطائفة الجيش المستعير، وأن الله لم يجبر الفاسقين على الخروج إلى قتال المؤمنين، بل عن ذلك نهاهم، وإلى طاعته وطاعة رسوله دعاهم، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ٢٠}[الأنفال]، ويقول: لو أطاعوا الله فيما أمرهم لم يخرجوا لمحاربة الحق ولم ينصبوا.
  فأما ما قال من أن ذلك لو كان لبطل(١) وعد الله أهل الإيمان، الذي وعدهم من الغنيمة والإحسان فليس ذلك كما قال أهل الجهالة والعمى والضلال، ولكن الله سبحانه علم أنهم سيخرجون، وعلى الحق والمحقين سيبغون، فلما أن علم ما يكون من اختيارهم حكم بما علم منهم عليهم، وبشر رسول الله ÷ بما سيسوق من الغنيمة والنصر إليه، ولو علم منهم اختيار المقام لما وعد غنائمهم نبيه ÷، فلما أن خرجوا وعلى الله ورسوله أجلبوا خذلهم سبحانه وأخزاهم وأذلهم وأرداهم، وألقى الرعب في قلوبهم كما قال سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}[آل عمران: ١٥١]، فأرداهم ونصر المؤمنين وأعز بتأييده الدين، وكبت الكافرين فأبادهم بالسيف قتلاً، وشتت أمرهم وجمعهم هزيمة وأسراً، وأنزل الملائكة المقربين مدداً للمؤمنين، وإعزازاً للحق والمحقين، فزادهم قوة إلى قوتهم المركبة الثابتة فيهم.
  وأما ما [سأل عنه و] قال(٢) وتوهم من المحال في قول الله تبارك وتعالى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}[آل عمران: ١٥٣]، وذلك الغم هو غمهم حين أدال المشركين على النبي والمؤمنين؛ فغلط وأخطأ في ذلك ولم يكن - ولله الحمد - كذلك ولم
(١) في (ب، ج، هـ): يبطل.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).