[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]
  يدل الله الكافرين على المؤمنين؛ لأن الإدالة هي معونة وتأييد ونصر وتسديد، ولم يقل مؤمن بالله: إن الله نصر [في ذلك اليوم أعداءه](١) على أوليائه، ولا نصر جيش أبي سفيان اللعين على جيش رسول الله ÷، ولكن الله أراد بالمؤمنين المحنة والبلاء حتى يعلم الله أهل الصبر والاحتساب والتقى، ألا تسمع كيف قال الله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ٣١}[محمد]، فنصرهم في أول الأمر وأراهم ما يحبون، فخالفوا نبيه وعصوه في تنحيهم عن باب الشعب الذي أوقفهم عليه، وأمرهم أن يرموا من صار من(٢) المشركين إليه، فلما رأوا الهزيمة على المشركين قد(٣) أقبلت، وتيقنوا أنها بهم قد حلت، طمعوا فيما يطمع فيه مثلهم من الغنائم، ورجوا أن يكون شدهم على الكفار مع أصحابهم أصلح، وفي الأمر الذي يراودون أنجح، فزلوا وعصوا الرسول فيما أمرهم من الثبوت على باب الشعب، وكان ثباتهم عليه على المشركين أصعب.
  فلما أن تنحوا أمكن للكافرين(٤) ما أرادوا فظفروا من المسلمين ببعض ما أحبوا، ثم لاقوا من بعد ذلك من نصر الله للحق ما كرهوا، فثبَّت الله من بعد ذلك المؤمنين، وغفر لأهل الخطيئة المذنبين، وأنزل عليهم السكينة، وغشاهم النعاس أمنة منه(٥)، كما قال الله سبحانه: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ}[آل عمران: ١٥٤]، قال الله سبحانه لنبيه ÷: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}[آل عمران: ١٥٤]، ثم قال سبحانه
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).
(٢) في (ب، ج، هـ): إلى.
(٣) (قد) ساقط من (ب، ج، هـ).
(٤) في (ب، ج، هـ): الكافرين. ولعلها الصواب.
(٥) (منه) ساقط من (ب، ج، هـ).