[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]
  لنبيه: {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ}[آل عمران: ١٥٤]، ثم أخبر عما أخفوا، وما من المنكر أجَنّوا، فقال: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}[آل عمران: ١٥٤].
  وذلك أن رسول الله ÷ حين أتته قريش ونزلوا بأحد شاور أصحابه فأشاروا عليه بأن يثبت في المدينة، فإن أقاموا أضرَّ بهم المقام حتى ينصرفوا، وإن صاروا إلى المدينة فدخلوا قاتلهم بها الصغير والكبير والنساء من فوق البيوت.
  فأراد ذلك رسول الله ÷ ثم أشاروا عليه من بعد بالخروج إليهم، فنهض فلبس لامته، ثم خرج عليهم، فقالوا: يا رسول الله، قد رأينا رأياً إنا لم نقاتل ببلدنا ولا بين دورنا أحداً إلا أظهرنا الله عليه وبلغنا فيه ما نريد، فأقم بنا مكاننا على رأينا الأول.
  فقال رسول الله ÷: «كان هذا أولاً، إنه ليس لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه»، فخرج وخرج معه ألف من الناس، فلما فصل من المدينة رجع عنه عبدالله بن أبي سلول(١) رأس المنافقين في ثلاثمائة من الفاسقين، ومضى رسول الله ÷ حتى لقي القوم، فكان من أمرهم ما ذكرنا، ومن حالهم ما شرحنا، فذلك قولهم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}[آل عمران: ١٥٤]، يقولون: لو أطاعنا أو كان الرأي إلينا لكنا قد ثبتنا في بلدنا حتى يدخلوا علينا فنقاتلهم أو يرجعوا عنا فنتبعهم، فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} أي: الأمر أمر نبيه الذي افترض عليهم طاعته، فليس لأحد منكم سبيل إلى مخالفته إلا بالكفر والعصيان للواحد العزيز الرحمن، ثم أعلاهم من بعد تلك السقطة وأنزل عليهم الأمنة ورد إليهم النصر، وشد لهم ما أضعفوه من الأمر، وصرف عنهم أعداءهم؛ لأن يدركوا كل ما طلبوا أو طمعوا به فيهم من القوة والظهور عليهم.
(١) اسمه عبدالله بن أبي بن سلول، رأس المنافقين، رجع بثلث الجيش يوم أحد، قال في الجامع الوجيز: توفي في السنة التاسعة من الهجرة.