[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]
  وأما ما ضل فيه من قوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} فقال: إن الله كتب على الكافرين قتل المؤمنين، وكتب على المؤمنين ظهور الكافرين وقتلهم إياهم، فتوهم أن الكتاب من الله هو حتم وفعل فيهم، وقضاء كائن قضى به عليهم، ولو كان ذلك كما ظن الحسن بن محمد لكان المشركون لله مطيعين ولأمره وقضائه منفذين، ولم يكن عليهم في ذلك إثم ولا عند الله جرم، بل كانوا في ذلك مثابين وعليه غير معاقبين، ولم يكن المؤمنون بمثابين إذ الله فعل بهم ذلك من القتل وقضاه عليهم، وكل في الطاعة له سواء، تبارك عن ذلك العلي الأعلى.
  فأما وجه الحق في ذلك ومعنى قول الله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْهِمُ} هو: عَلِمَ منهم لا أنه أكرههم ولا قضى عليهم، ولكن علم من يختار الخروج ولقاء الأعداء، ومن يقتل عند التنازل واللقاء، فعِلْمه وقع على اختيارهم، فخروجهم فعلهم لا فعله، وقتلهم فعل الكفار لا قضاؤه، فهم على خروجهم وقتالهم واجتهادهم مأجورون، وعند الله مستشهدون، والفسقة المشركون على قتلهم معاقبون، وعند الله في الآخرة معذبون، فكل نال بفعله من الله ما أوجبه عليه من الثواب والعقاب، والحمد لله رب الأرباب، والمجازي للخلق يوم الحساب.
  وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} فقال بزعمه وتوهم بجهله: أن الله يديل أهل الكفر والعصيان على أهل الطاعة والإيمان، وأنه أدال يوم أحد المشركين على النبي ومن كان معه من المؤمنين - فليس ذلك كما ذهب إليه، وسنشرح ذلك إن شاء الله تعالى، ونرد بالحق قوله عليه، فنقول:
  إن الله ﷻ يديل المؤمنين على الكافرين، ولا يديل الكافرين على المهتدين، كذلك(١) قال في يوم حنين: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ}[الإسراء: ٦]، فكان برده الكرة للموحدين هو المديل لهم على الكافرين، ولم يقل في شيء من كتابه وما نزله من
(١) في (ب، ج، هـ): وكذلك.