مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة السادسة عشرة: معنى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}]

صفحة 415 - الجزء 1

  آياته إنه أدال أهل الشرك والنفاق على أهل الدين والإحقاق.

  فأما ما ذكر الله من المداولة بالأيام بين جميع الأنام، فإن مداولته للأيام هو إتيانه بالليل تارة وتارة بالنهار.

  وأما ما يأتي ويداول بين عباده وأرضه فيهما من الأمطار التي يحيي بها الأرضين ويعيش بها جميع العالمين قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ٩ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ١٠ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ١١}⁣[ق]، فسقى اليوم قوماً هم إلى السقي محتاجون، وسقى غداً آخرين، وما يحدث في الأيام من الأرزاق للعباد، وإحياء ما شاء من البلاد، وبالمداولة بالأيام بين الأنام ما نزل⁣(⁣١) بهم من المصائب الهائلات، وما يمن به عليهم من الآلاء والنعم السابغات، من ذلك ما يأخذ من الأقارب والآباء والإخوة والأبناء وجماعة القربى، وما يهب ø لمن يشاء من الأولاد الذكور، وما يصرف ويدفع من الشرور، فهذه الأشياء كلها التي تكون في لياليه سبحانه وأيامه مداولة منه لا شك بين عباده.

  فأما ما يظن الجهال وأهل التكمه في الضلال من أن معنى هذه الآية هو إدالة الفاسقين على الحق والمحقين، وأنه يُمَكِّن في الأرض للفاجرين، ويمهد للفسقة العاصين، بما قد حرم عليهم ولم يجعله بحمد الله لهم بل شدده عليهم غاية التشديد في ترك مشاقة أهل الحق والتسديد، وأمر في ذلك بالاتباع لهم، وترك الخلاف في جميع الأسباب عليهم، [فهذا كذب منهم على رب العالمين، وكيف يجوز أن يديل ويمهد للعاصين]⁣(⁣٢)، بل كيف يتوهم على الرحمن الكريم الواحد ذي الجلال العظيم أن يكون أدالهم وأعطاهم ما عنه زجرهم ونهاهم؟ فتبارك ذو السلطان المبين عن مقالة أهل الضلال الجاهلين. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.

  تم جواب مسألته.


(١) في (ب، ج): ينزل.

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).