[المسألة السابعة عشرة: معنى قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} ومعنى الإذن فيها]
  على ذلك من كريم العطاء أن ذلك من فعلهم له رضا.
  ثم قال فيمن تعدى على المؤمنين، وخالف فيهم حكم رب العالمين: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ١٠}[البروج]، فأخبر أنهم على ذلك عنده معذبون، فدل ذلك من فعل العدل الرحيم على أنهم كانوا له مخالفين، وفي تعديهم وقتلهم(١) له عاصين، وعلى فعلهم لا فعله أوجب عليهم العذاب، ولو كان أذن لهم في ذلك لأجزل لهم عليه الثواب، فسبحان الرؤوف الجواد البريء من أفعال العباد، المتعالي عن اتخاذ الصواحب والأولاد، المتقدس عن الإذن بالفساد.
  فليعلم من سمع قولنا من العالم أن الإذن من الله على معنيين:
  فأما أحدهما: فإذن أمر وإرادة وحكم ومشيئة، وذلك قوله سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ٧}[إبراهيم]، فهذا معناه معنى حكم بالزيادة للشاكرين وبالعذاب للكافرين(٢)، وكذلك قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٣٩}[الحج].
  وأما المعنى الآخر: فإذن تخلية وإمهال للعصاة فيما يكون منهم من العصيان، فعلى ذلك يخرج معنى قول الله سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} يعني تعالى بتخلية الله لهم وكذلك قال سبحانه في هاروت وماروت ومن يتعلم منهما: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: ١٠٢]، يريد سبحانه: بتخلية الله لهم لإثبات الحجة عليهم؛ إذ قد مكنهم من العمل والفعل، ثم أمرهم بتقواهم وبصرهم غيهم وهداهم، وعن تعليم السحر وتعلمه نهاهم، فإن ائتمروا وتعليم السحر وتعلمه تركوا، أنيلوا الثواب، وإن أبوا وما نهوا عنه تخيروا أوجب عليهم بفعلهم العقاب، وحرموا بذلك من الله الثواب.
  تم جواب مسألته.
(١) في (ب، ج، هـ): وفتنهم.
(٢) في (ب، هـ، ج): على الكافرين.