مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]

صفحة 422 - الجزء 1

[الجزء الثاني من مسائل الحسن بن محمد بن الحنفية]

   وبه نستعين

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}]

  [ثم أتبع ذلك]⁣(⁣١) المسألة عن قول الله سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ...} إلى آخر الآية [الكهف: ٥٧]، فقال: أخبرونا عن الجعل بالإرادة دون الأمر، فإن أنكروا فأخبرهم أن الله يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ٥٧}⁣[الكهف]، وقال سبحانه: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٧}⁣[الممتحنة]، في آيات كثيرة من الكتاب فيقال لهم: ما ذلك الذي جعل الله وهو كائن كما جعل؟ فإن قالوا: إنما ذلك الدعاء. فقلنا: إن الدعاء قبل ذلك، فقد دعا العباد جميعاً، وهذا شيء قد خص به من يشاء من خلقه ولم يعمَّهم؛ لأنه إنما يهتدي من جعل الله في قلبه الهدى ولم يعمَّهم بالهدى.

  فإن قالوا: قد نعلم أن الله قد جعل الناس كلهم مهتدين، ولا نقول: إن الله قد جعلهم كفاراً. فقل: إن الله يرد عليكم قولكم في كتابه فإنه قد قال: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ٦٠}⁣[المائدة]، ألا ترى أن الله قد جعل منهم القردة والخنازير؟ فإن زعموا أن الله إنما⁣(⁣٢) سماهم بذلك ونسبهم إليه [فقل فلذلك لم يجعلهم قردة وخنازير


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).

(٢) سقط من (ب، ج، هـ).