مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 424 - الجزء 1

  فتوهم وظن فقال: إن الله قد⁣(⁣١) جعل على قلوبهم أكنة حتى لا يفقهوه وفي آذانهم وقراً، وأن ذلك من الله فعل بهم؛ ليشقيهم، وليس ذلك - لعمره - كذلك، ولو كان الله ø الذي حجب قلوبهم وآذانهم عن ذلك لم يبعث الرسل إليهم، ولم يحتجَّ ببرهانه عليهم، وكانوا عنده في تركهم لذلك معذورين، وكانوا على ذلك مثابين؛ إذ هم لما أرسل إليهم به غير مستطيعين، وقد قال الله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، فكيف يكلفهم الائتمار وقد حجب قلوبهم عن الاعتبار؟ فتبارك الله العزيز الجبار.

  بل معنى قوله ذلك: هو إنكار [عليهم]⁣(⁣٢) لقولهم الذي قالوا حين دعاهم الرسول إلى الحق وبين ما هم عليه من الباطل والفسق فقالوا له استهزاء وعبثاً: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ٥}⁣[فصلت]، فقال الله سبحانه لنبيه ÷ يحكي قولهم، ويرد كذبهم عليه، فقال: {إِنَّا جَعَلْنَا} يريد سبحانه: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة كما قالوا، وفي آذانهم وقراً كما ذكروا، بل الزور في ذلك قالوا، وبالباطل تكلموا، فأراد بذلك معنى الإنكار عليهم والتكذيب لهم والتقريع بكذبهم، وتوقيف نبيه ÷ على باطل قولهم، وجليل ما أتوا به من محالهم فقال: {إِنَّا} وهو يريد: أئنا فطرح الألف استخفافاً لها، والقرآن فعربي إلى النور والحق يهدي، والعرب تطرح الألف من كلامها وهي تريدها فيخرج لفظ الكلام لفظ إخبار ونفي، وهو تقريع وإيجاب واستفهام، وتثبتها وهي لا تريدها، فيخرج لفظ الكلام لفظ شك، ومعناه معنى خبر وإيجاب في كل ما جاءت به من الأسباب، من ذلك قول الله سبحانه: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ١


(١) (قد): ساقط من (هـ).

(٢) زيادة من (هـ).