مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]

صفحة 425 - الجزء 1

  وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ٢}⁣[البلد]، فقال: {لَا أُقْسِمُ} وإنما أراد: ألا أقسم، فطرح الألف منها، فخرج لفظها لفظ نفي وهي قسم وإيجاب.

  وقال في عبده ونبيه يونس صلى الله عليه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ١٤٧}⁣[الصافات]، فقال: {أَوْ يَزِيدُونَ ١٤٧} فأثبت الألف وهو لا يريدها، فخرج لفظ الكلام لفظ شك، ومعناه معنى إيجاب وخبر، أراد سبحانه: وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون على مائة ألف.

  فأراد بقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا} التقريع لهم والتوقيف لنبيه على كذبهم، لا ما يقول الجاهلون إنه أخبر عن فعله بهم، ألا ترى كيف يدل آخر الآية على أولها من قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ٥٧} يقول: فإن كان الأمر على ما يقولون وكنا قد فعلنا بهم ما قد يذكرون فَلِمَ أرسلناك تدعوهم إلى الهدى [وتزحزحهم عن الردى، وهم لو كانوا كذلك، وكنا فعلنا بهم شيئاً من ذلك، ثم دعوتهم إلى الهداية]⁣(⁣١) لم يطيقوا أن يهتدوا إذاً أبداً، ألا تسمع قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ٥٧}⁣[فقال «إذاً» ](⁣٢) يريد: إن كان ما يقولون علينا مما ذكروا أنه على أبصارهم وأسماعهم وقلوبهم فعلاً منا بهم فلن يهتدوا إذاً أبداً؛ إن كنا منعناهم بذلك عن الاهتداء، فكيف نرسلك إلى من لا يستطيع أن يهتدي ولا يفلح ولا يقتدي؟ فهذا ما لا نفعله بك ولا بهم، ولا نجيزه فيك ولا فيهم، ولا نراه حسناً من فاعل لو فعله من البشر.

  وقد يمكن أن يكون الجعل من الله ø للأكنة والوقر الذي [ذكر]⁣(⁣٣) هو الخذلان لهم وتركهم من التوفيق والتسديد، فلما تركوا من عون الله وتسديده تكمهوا وغووا وهلكوا، ومالت قلوبهم في أكنة الهوى، فأعقبهم ذلك شقاء


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).

(٣) زيادة من (ط).