مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]

صفحة 426 - الجزء 1

  ووقراً، فالوقر هاهنا هو: ترك الاستماع للحق وما يركبون من الفسق.

  وأما ما قال وعنه سأل من قول الله ø: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٧}⁣[الممتحنة]، فتوهم أن الله ø جعل فيهم مودة قسرهم عليها وأدخلهم جبراً فيها، وليس ذلك بحمد الله كذلك.

  وتفسير هذه الآية فهو يخرج على معنيين وكلاهما شافٍ ومن التطويل كافٍ؛ فأولهما: ما جعل الله للمؤمنين من الإذن، وأطلق لهم من البر والإقساط والإحسان، إلى من كان على غير الإيمان، من المشركين الذين لم يقاتلوهم، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم، فقال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} ثم قال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٨}⁣[الممتحنة]، فكان ما أطلق لهم من البر والإقساط أول الرحمة منه لهم، وجعل المودة بينهم؛ إذ قد أطلق لهم من الفعل ما يجلب⁣(⁣١) المودة ويزرع المحبة من اللطف والبر، في العلانية والسر.

  فلما أن تبارُّوا وتنافعوا، جرت المحبة والمودة للمؤمنين في قلوب الكافرين لما ينفعونهم به ويحسنون إليهم فيه، فكان الإذن من الله ø للمؤمنين بما يجتلب المودة في الإقساط إلى الكافرين - أفضل المنة منه على المحسنين.

  وقد تكون تلك المودة هي: ما في الإيمان من البركة واليمن، وما جعل الله بين المؤمنين من المحبة وافترض عليهم من التواد على الدين وحكم به من الأخوة بين المؤمنين حيث يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ١٠}⁣[الحجرات]، فكان كل من دخل فيما


(١) في (ب، ج): يجتلب.