[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]
  أمر بالدخول فيه من الإيمان إذا دخل، وإلى الله سبحانه أقبل، سدده الله سبحانه ووفقه وحببه إليه من بعد إقباله إليه، وبغَّض إليه الكفران، كما قال الرحمن: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ٧}[الحجرات]، فكان كل من دخل في الإسلام من جميع الأنام أخرجته بركة الإيمان من الحقد والدغل والحسد حتى يعود إلى المؤاخاة على الحق، والقول في ذلك على الله بالصدق، فهذا ما لا ينكره ذو عقل وتمييز.
  ألا(١) تسمع كيف حكى الله ø لك عنهم وذكر لك قولهم، حين كانوا يدخلون في الدين، ويتابعون المسلمين على اليقين حين يقول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ١٠}[الحشر]، فلما أن دخلوا في الإيمان صاروا عليه(٢) وفيه نعم الإخوان، متحابين متواصلين متواخين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فكانوا كما قال الله ﷻ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ٤١}[الحج].
  وأما ما نسب الحسن بن محمد إلى الله جل ثناؤه من فاحش المقال، فزعم أن الله جعل عبدة الطاغوت للطاغوت عابدين، وفيما أسخطه من ذلك أدخلهم مجبورين، واحتج بما لم يعلم معناه من تفسير القرآن ومنزل الفرقان الذي لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم فقال: قال الله في ذلك: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ
(١) في (ج، هـ): ألم.
(٢) في (ب): إليه.