مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]

صفحة 428 - الجزء 1

  وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ٦٠}⁣[المائدة]، فقال الحسن بن محمد: ألا ترى أنه قد جعل منهم القردة والخنازير ومن يعبد الطاغوت؟ وقال: إن أنكروا أن يكون الله جعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت فقد كذبوا الله، وإن أقروا فقد رجعوا عن قولهم - ولِمَ يا ويحه وويله إن لم يتب من الله وغوله⁣(⁣١)؟ ألا تسمع كيف فرق الله ø بين فعله وفعل عبيده؟ ألا ترى أن مسخه لمن مسخ لم يكن لهم فيه فعل بل نزل بهم وهم له كارهون، وحل بهم وهم عليه مكرهون، وأن عبادة الطاغوت كانت منهم⁣(⁣٢)، وأنها بلا شك مقالتهم؟ فبين ما دخلوا فيه طائعين وله متخيرين، وبين ما فعل بهم مجبورين وبه معاقبين فرقٌ عند ذي العلم من أهل المعرفة والحكم؛ فنقول في ذلك:

  إن الله لم يأخذهم ولم يجعل منهم ما جعل من القردة والخنازير، ومسخ منهم من مسخ من المذنبين إلا من⁣(⁣٣) بعد الإعذار والإنذار مراراً بعد مرار، فلما أبوا وعموا عن أمره سبحانه وخالفوا، أخذوا بذنوبهم فلم يجدوا من دون الله ولياً ولا نصيراً.

  وأما قوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} فإن ذلك مردود على أول الآية وهو مقدم في المعنى، وكثير مثل ذلك على ما يكون على التقديم والتأخير يعلمه من عباده العالم الخبير، فمعناه: أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وعبد الطاغوت، وجعل منهم القردة والخنازير؛ أراد أن من عبد الطاغوت فهو شر من ذلك، فهذا موضع ما ظن من {عبد الطاغوت} ألا ترى كيف أهلك من كان كذلك؟ ومن اجترأ من الخلق كاجتراء أولئك.

  وكذلك قولنا⁣(⁣٤) فيما توهم⁣(⁣٥) وذهب إليه فأهلك وهلك - ولله الحمد - فيه


(١) الغول: كل ما أخذ الإنسان من حيث لا يدري فأهلكه. (معجم وسيط).

(٢) في (ب، ج): فيهم.

(٣) (من) في (ب، ج، هـ).

(٤) في (ب): قوله.

(٥) في (ب): توهم.