مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]

صفحة 430 - الجزء 1

  بيوم جدود لا فضتحم أباكم ... وسالمتمو⁣(⁣١) والخيل يدمى شكيمها

  فقال: لا فضحتم أباكم، وإنما يريد: فضحتم، فأدخلها وهو لا يريدها. وقال آخر⁣(⁣٢):

  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا

  فقال: أن تشتمونا، فخرج لفظها لفظ إيجاب في قوله: أن تشتمونا، ومعناها معنى نفي أراد: لأن لا تشتمونا.

  وأما ما قال وذكر، واحتج به مما لا⁣(⁣٣) يعرفه وسطر، فقال: قال الله في قوم فرعون: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ٤١}⁣[القصص]، وادعى على الله سبحانه أنه جعل من كان كذلك منهم كافراً، ومن كان منهم كافراً فاجراً، وأنه طبعهم على ذلك، وفيه ركبهم وخلقهم، وليس ذلك والحمد لله على ما ذكر، ولا على ما قال وخبر، وهذا يخرج من الله على معنيين عدلين محققين:

  أحدهما: أن يكون جَعْلها لهم هو ما أوجده منهم وخلقه من أجسامهم، لا ما ذهب إليه من فعل أفعالهم.

  والمعنى الآخر: أن يكون ذو الجلال والإكرام حكم عليهم بما يكون منهم من أعمالهم، ودعائهم إلى خلاف طاعته من الكفر به والصد عن سبيله، وما كانوا يفعلون ويجترئون به على الله، فكانت حال من يطيعهم على كفرهم ويشركهم في فعلهم ويدعوهم إلى غيهم عند الله كحالهم.

  فلما أن دعوا إلى ما يقرب إلى النار مما كان يفعله الفجار، كانوا أئمة يدعون


(١) في (ب، ج، هـ): وحاربتمو.

(٢) ذكر هذا البيت مستشهداً به في كتاب الأضداد لابن الأنباري، وعزاه إلى عمرو بن كلثوم.

(٣) في (ب، ج، هـ): لم.