مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة عشرة: معنى الجعل في قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}]

صفحة 431 - الجزء 1

  إلى الجحيم، فحكم عليهم بفعلهم العليم، ودعاهم وسماهم به الرحمن الرحيم، فكان دعاؤه إياهم بذلك من فعلهم وتسميته لهم بما دعوا إليه إخوانهم من النار - جعلاً في مجاز كلام العرب، كما يجوز أن يقال لمن قال لصاحبه «يا حمار»: جعلته ويحك حماراً؟ وإنما يراد بذلك تسميته لا خلقه⁣(⁣١)، وكذلك إذا دعاه بالضلال قيل: جعلته ضالاً؛ إذ قد سميته به.

  فأما ما قال وتوهم أنه إذا خرج في اللفظ شيء كان كذلك في المعنى فقال: وقد قال الله سبحانه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٨٠ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}⁣[النحل]، فتوهم الحسن بن محمد على الله تبارك وتعالى أنه الفاعل لكل ذلك، وليس ذلك والحمد لله كذلك، وسنفسره إن شاء الله ونبينه وبالحق نميزه فنقول: إن معنى قوله : {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} هو كما قال سبحانه: هو الذي خلق الخشب والحجر والماء والمدر، هو دلهم على ذلك، وهم بنوا وعملوا المساكن وكل ما صنعوه من الأماكن، وهو جعل وخلق الأنعام وجلودها، وهم عملوها بيوتاً، ولو لم يخلق الجلود لم يقدروا على عمل ما ذكر من البيوت، وكذلك لو لم يخلق الحجر والخشب والمدر لم يبنوا بيوتاً يسكنونها ولا دوراً يأوونها، وكذلك السرابيل التي تقي الحر وقت الحر، وتقي القر وقت القر، وكذلك السرابيل⁣(⁣٢) التي تقي وتحرس⁣(⁣٣) من البأس، فالله ø أوجد حديدها ودلهم على عملها، وهم يتولون فعلها وسردها وتأليفها ونسجها.


(١) في (ب، ج، هـ): سميته لا خلقته.

(٢) في (ب، ج، هـ): سرابيل اللباس.

(٣) في (ب، ج، هـ): وتحرز.