مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 433 - الجزء 1

  المبعدين؟ فكيف اجترأ الحسن بن محمد على رب العالمين، فنسب إليه أشد ما يعاب به المربوبون؟ ثم احتج في قوله وسطر أفحش القول في ربه فقال: قال الله: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فقال: إن الله تبارك وتعالى أغرى بينهم ولم يرد الإغراء ولم يأمر بالإغراء، وأدخلهم من ذلك فيما لم يشأ.

  وليس ذلك كما قال، وأول الآية يدل على عدل الله في ذلك حين أخبر بما كان منهم وذكر، من الترك والرفض لما أمروا بأخذه، والأخذ لما أمروا بتركه، فلما أن فعلوا من ذلك ما عنه نهوا استأهلوا من الله سبحانه الترك والخذلان بما كان منهم لله من العصيان، فتركهم من الرشد والتوفيق، فضلوا وعن الخير والصلاح في كل أمرهم عموا، والبرَّ والتواصلَ تركوا، فغريت بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، ونشأ على ذلك خلف من بعد خلف، فكان ذلك لسبب خذلان الله لهم وسخطه عليهم لذلك، فلما أن كان ذلك كذلك جاز أن يقال: إن الله أغرى بينهم العداوة، وبكل ضلال قالوا، فنسب المسيح منهم قوم إلى أنه رب، ونسبه قوم آخرون إلى أنه ابن للرب، وقال آخرون بما قال في نفسه إنه عبد الله حين أخبر عنه بقوله حين أشارت إليه أمه، قال الله جل ثناؤه: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ٢٩ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ٣١}⁣[مريم]، فلما أن اختلفوا وعلى الحق لم يأتلفوا كفر بعضهم بعضاً، وبرئ فاسق من منافق، ومنافق من فاسق، وخذلهم الله فيه، ولعنهم سبحانه عليه - غريت بينهم العداوة إلى يوم القيامة، فلما كان الله ø الذي خذلهم فضلوا، وتركهم فهلكوا قال: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، وهذا - ولله الحمد - مشهور في اللسان معروف.

  تم جواب مسألته.