مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 445 - الجزء 1

  وأما ما سأل من قول الله ø: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ١٧٩}⁣[الأعراف: ٧]، فقال: هل يستطيع أحد أن يخرج أو ينتقل مما ذري له، وتوهم بل قال: إن الله ذا الجلال والإكرام خلق لجهنم قوماً كافرين ذرأهم وأوجدهم ابتداء فاسقين، وخلقهم ضالين مضلين، لا ينفع فيهم دعاء، ولا يقدرون طول الزمان على الاهتداء لما قد خلقوا له من الشقاء، فهم أبداً بفعل الفواحش مولعون، ولعمل الهدى غير مطيقين، وأنهم على ذلك مجبولون، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  فنقول في ذلك على الله بالحق، والله الموفق لكل خير وصدق فنقول: إن معنى الآية خلاف ما ذهب إليه الحسن بن محمد، وإن القول خلاف ما قال به فيه، بل معناها على الصدق والمعاد؛ لعلم الله بما يكون من العباد فقال: {ذَرَأْنَا} فأخبر عما سيكون في آخر الأمر ويوم القيامة والحشر من الذرو الثاني لا الذرو الأول الماضي، فكذلك الله رب العالمين يذرأ لجهنم في يوم الدين جميع من مات على كفره من الكافرين فيعذبهم على فعلهم ويعاقبهم على ما تقدم من كفرهم، كما قال الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ٤٠ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ٤١ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ٤٦ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ٤٧ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ٤٨}⁣[المدثر]، فهذا معنى ما ذكر الله من الذرو في الكتاب، لا ما ذهب إليه الحسن بن محمد ذو الشك والارتياب، من أن الله سبحانه خلق للنار خلقاً تعمل بالمعاصي أبداً، لا يقدرون على هدى ولا طاعة في سنة ولا شهر ولا يوم ولا ساعة، وأن الله سبحانه خلق للجنة أصحاباً مجبولين لله على الطاعة في كل الأسباب.