مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة السادسة والعشرون: معنى قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم}]

صفحة 446 - الجزء 1

  فيا عجباً من قولهم المحال! وكذبهم على الله في المقال! فأين - ويحهم - المعاصي والطغيان ممن عمل بما ألزمه الله في كل شأن؟ بل كلٌّ مطيع وفي مراد الله سريع؛ فإن كان ذلك من الله كذلك فلِمَ بعث الأنبياء إليهم يدعونهم، وأوجب عليهم طاعتهم؟ وطاعة الأنبياء فهي العمل بطاعة الله، ومعصيتهم فهي المعصية لله، فقال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}⁣[النساء: ٥٩]، وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}⁣[الفتح: ١٧]، وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}⁣[الجن: ٢٣]، وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}⁣[النساء: ١]، وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٥٠}⁣[الذاريات].

  فأين الطاعة ممن جبل على المعصية؟ وأين الفرار ممن منعه منه الجبار؟ وكيف لا يعصي الرسولَ والرحمنَ الرحيم من قد حيل بينه وبين الإحسان؟!

  ومن ذلك قول إبراهيم صلى الله عليه لأبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ٤٣ يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ٤٤}⁣[مريم]، فماذا يقول الكاذبون وينسب إلى الله وإلى نبيه الضالون في هذا العلم الذي جاء إبراهيم؟ أتراه أتاه من العلم - إن كان الله قد خلق أباه للنار - أن أباه يقدر أن يخرج إلى غير ما خلقه الله له من النار حتى يصير إلى الجنان؟

  أم تقولون: إن العلم الذي جاء إبراهيم هو أن أباه - إن كان الله جل ثناؤه خلقه للشقاء وحال بينه وبين الهدى - يقدر على مغالبة الرحيم والخروج مما أعد له من الجحيم، والمصير إلى دار النعيم والله سبحانه لم يخلقه لذلك بل جبله على غيره ومنعه من رشده؟

  أم تقولون في إبراهيم الأواه الحليم الصديق الكريم: إنه دعا أباه إلى اتباعه وضمن له ما ضمن من إرشاده، ونهاه عن عبادة الشيطان الرجيم، وأمره بطاعة