مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 448 - الجزء 1

  فإن قالوا: لا يستطيعون، فقد أجابوا وصدقوا، وإن قالوا: نعم هم يستطيعون أن يكونوا على غير ما خلقهم؛ فقد كذبوا وخالفوا.

  وإن زعموا أن الله جل ثناؤه إنما خلق أهل الإيمان للرحمة، فنحن نقبل منكم ونصدقكم إن زعمتم أن الله جل ثناؤه خلق خلقاً من خلقه خصهم بالرحمة، فلا يستطيعون أن يكونوا على غير ما خلقهم؛ لأنه قد استثنى لهم.

  تمت مسألته.

[الجواب]

  وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} فإنا نقول: إن معنى قوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} هو إخبار عن قدرته وإنفاذ⁣(⁣١) ما شاء من إرادته؛ فأخبر سبحانه أنه لو شاء أن يجعلهم أمة واحدة لجعلهم قسراً، ولأدخلهم في طاعته جبراً، ولكنه لم يرد قسرهم على ذلك، ولم يرد أن يدخلهم في الطاعة كذلك؛ للحكمة النيرة والحجة الباهرة؛ ليثيب على عملهم المثابين، ويعاقب على اجترامهم المعاقبين، لا ما يقول به المبطلون ويذهب إليه الجاهلون من أنه لم يرد من العاصين الطاعة ولم يكره من الفجرة المعصية، وأنه لو أراد ذلك منهم لفعلوه، ولو شاء أن يعبدوه لعبدوه، وقالوا على الله ø الأقاويل الردية، وضاهوا في ذلك قول الجاهلية حين قالوا: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}⁣[الزخرف: ٢٠]، وقال سبحانه يكذبهم فيما وهموا من أنه يريد عبادة أحد دونه، أو أنه لا يشاء أن يعبدوه: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ٢٠ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ٢١}⁣[الزخرف]، ثم أخبر بما به عبدوا من يعبدون ومن به في ذلك يقتدون فقال: {بَلْ قَالُوا إِنَّا


(١) في (ب، ج، هـ، و): ونفاذ.