مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة السابعة والعشرون: معنى قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}]

صفحة 450 - الجزء 1

  حتى يفيئوا إلى طاعة رب العالمين، فخلقهم سبحانه لما شاء من ذلك وشاء ما أمرهم به، وأمرهم بما خلقهم له من طاعته ومجاهدة أعدائه والنصر لأوليائه، فقال سبحانه في ذلك: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}⁣[التوبة: ٣٦]، وقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ١٢٣}⁣[التوبة]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}⁣[الممتحنة: ١]، وقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٢٢}⁣[المجادلة].

  ففي كل ذلك يأمر المحقين بمخالفة المبطلين، وبالبراءة والعداوة للقاسطين الناكثين، وبالتحاب والتواصل والتبارّ والتواخي على الدين، ومن ذلك ما يقول أكرم الأكرمين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ١٠}⁣[الحجرات].

  وقد قيل في قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} إنه مردود على ما ذكر من الرحمة، وكل ذلك والحمد لله فجائز أن يقال به على ذي الجلال والقدرة، لا ما يقول الضالون: إن الله ø خلقهم للضلال والاختلاف، وركب فيهم العداوة وقلة الائتلاف. وكيف يكون ذلك والله⁣(⁣١) يأمر بقتال من بغى وظلم وتجاهل وأساء حتى يفيء إلى البر والتقوى، وذلك قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا


(١) في (ب، ج، هـ، و): وهو.