مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 452 - الجزء 1

  فقولنا في ذلك إن شاء الله بما هو الحق لا قول غيرنا، فنقول: إن الله جل ثناؤه لم يخبر عن فعله، ولا أنه خلق هلعهم ولا جعل في ذي الصبر والإحسان صبرهم، وإنما أخبر سبحانه عن ضعف بنية الإنسان وأنه لا يحتمل ما اشتد وصعب من الشأن فدل بذلك من ضعف بنية الآدميين ومن قوة غيرهم من المخلوقين واختلاف طبائع المربوبين من الجان والملائكة المقربين على قدرة رب العالمين، وخالق السموات والأرضين، وأخبر سبحانه أنه خلق خلقه أطواراً مختلفة، وجعل البنية فيهم غير مؤتلفة، فكلف كل صنف منهم دون ما يطيقه أضعفهم، فكلف الملائكة المقربين ما لم يكلف الجان [أجمعين، وكلف الإنسان دون]⁣(⁣١) ما يطيق من الشأن، فكانت بنية الملائكة وطاقتهم خلاف بنية الجان وحالتهم، وكانت بنية الجان واقتدارهم خلاف بنية الإنس واستطاعتهم، وكذلك افتراق كل ما خلق رب العالمين، فكل ما خلقه فهو على تركيب رب العالمين ليس فيه تفاوت، كما قال تبارك وتعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ٣ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ٤}⁣[الملك]، وكذلك كل شيء خلقه الله سبحانه من الأشياء، وذلك كله فدليل على قدرة الرب الأعلى، وخالق الأرضين والسموات العلى.

  فأخبر سبحانه عن بنية الإنسان بالضعف والسخافة، ولم يكلفه في ذلك إلا دون الطاقة، فلذلك ما قال سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ١٩ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ٢٠ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ٢١} يقول: جُعِل على بنية لا تطيق الأمر الشديد فهو يهلع، ومن كل فادح يجزع، ثم قال: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ ٢٢} فأخبر أن من كان لله مطيعاً من المؤمنين أصبر عند المحنة من الفاسقين، وأن المحنة لا يطيقها ولا يقوم لها من الناس إلا ذوو الاصطبار من عباده الصالحين، وأمر سبحانه نبيه والمؤمنين بالصبر فقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ


(١) سقط من (ب، ج).