[المسألة الثامنة والعشرون: معنى قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا}]
  الْأُمُورِ ١٧}[لقمان]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٢٠٠}[آل عمران]، فأمرهم بالصبر وحضهم عليه في كل أمر، ونهى من يطيق [ويحتمل](١) عن الوهن والعجز، فقال: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا}[آل عمران: ١٣٩]، وقال: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ٣٥}[محمد].
  ولو كان خَلَق الوهن وما كان من أفعالهم - لما كان جزع ولا هلع ولا صبر ولا عدد من أعمالهم، بل كان عملَه سبحانه لا عملهم، وفعله كل ذلك لا فعلهم.
  ولو كان ذلك فعل الرحمن لما أثاب على صبره الإنسان، ألا تسمع كيف يقول ذو الجلال والقدرة والطول: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ١٢٥}[آل عمران]، وقال سبحانه: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ٣٥}[الأحزاب]، فضمن للصابرين على الجهاد النصر، وللعاملين المؤدين للفريضة المغفرة والأجر.
  وقال سبحانه يحكي عن رسوله ÷ ما قال لأبي بكر إذ هما في الغار من المشركين مختفيان؛ إذ هلع أبو بكر وحزن وجزع فقال ÷: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة: ٤٠]، فنهاه عن الحزن، ولو كان الهلع والحزن والجزع تركيباً في الإنسان من الله الواحد ذي السلطان لما أمره الرسول ÷ بتركه، ولما قدر على رفض ما كان فيه من ربه، ولكان من هلع وجزع عند الله كمن أطاع وصبر وسمع؛ إذ هما من الله فعل في العالمين، وهم - إن كان ذلك - لله طراً مطيعون؛ إذ هم في كل ما صرفوا متصرفون.
  ولو كان ذلك فعلاً من الله فيهم، وكان على ذلك خلقهم - لم يلمهم ولم
(١) سقط من (ب، ج).