[الجواب]
  فنقول: ألا ترون أن الله هو الذي ذهب بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون؟ فأخبرونا هل كان هؤلاء يستطيعون سماع الهدى وقد وصفهم الله سبحانه بالصمم؟ وهل كان لهم أن يقبلوا الهدى وقد وصفهم الله سبحانه بالعمى؟ وهل كانوا ينتفعون بنور الهدى وقد ذهب الله به؟
  فإن قالوا: نعم. فقد كذبوا بكتاب الله وجحدوا بآياته.
  وإن قالوا: لا. كان ذلك نقضاً لقولهم.
  تمت مسألته.
[الجواب]
  وأما ما سأل عنه من قول الله في المنافقين، وما ضرب لهم من المثل في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ١٧ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ١٨} فقال: ضرب مثلهم؛ ثم جهل، فقال: خلقهم وكفرهم، فرجع عن الحق الذي نطق به في أول كلامه حين يقول: «ضرب مثلاً(١)»، ثم قال: هل يستطيعون سماع الهدى وقد وصفهم الله جل ثناؤه بالصمم والعمى؟
  فقولنا في ذلك: إن الله جل وعلا لم يخلقهم كذلك، ولم يجعلهم عمياً، ولا عن سماع الخير والتقى صماً، وإن الله تبارك وتعالى ضرب لهم هذا مثلاً، فقال سبحانه: إن هؤلاء الذين ءاتاهم الهدى وكشف لهم عن الحق الغطاء؛ فأنار لديهم وثبت في صدورهم، وأيقنوا أنه من عند خالقهم، فكفروا بربهم وخالفوا أمر نبيهم، وآثروا ظلمتهم(٢) على ما أضاء من الحق لهم، فتركهم الله وخذلهم، ومثّلهم إذ تركوا حظهم وما أنار من الحق عندهم بمن استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم، فكان الذي شبهه بضوء النار هو الهدى الذي أخرجه الله لهم، وامتن به
(١) في (ب، ج، و): مثلهم.
(٢) في (ب، ج): ظلمهم. وفي (و): باطلهم.