[معرفة أنه لا بد من رسول]
[معرفة الآخرة]
  وفي الحكمة التقويم بين المطيع والعاصي، وفي ذلك إيجاب الثواب والعقاب؛ فلما تصرمت أعمار المطيعين ولم يثابوا، وتقضَّت آجال العاصين ولم يعاقبوا، وجب على قود التوحيد واطّراد الحكمة أنّ داراً بعد هذه الدار، يثاب فيها المطيعون، ويعاقب فيها المسيئون، وهذه أمور أوجبتها الفطرة، واستحقت بالإيمان(١)، وقليل من تقررت المعرفة في قلبه إلا باستقرار أدلتها(٢)، وشهادة بعضها على بعض، وتضمين كل شيء منها ما قبله وبعده، واستطراد ذلك كله في العقول.
[معرفة أنه لا بد من رسول]
  فلما أن كان ذلك كذلك - كان في ضرورة العقل أن لا سبيل له إلى [علم(٣)] كيفية الطاعة من دون الخبر من عند المنعم بكيفية الطاعة؛ إذ لا يمكن الخبر من الله ملاقاةً لله؛ فإذا علم أن الخبر لا يمكن من الله مشافهة لله، علم أن خبر الطاعة لا يمكن إلا برسول من عند المنعم، باين(٤) من البشر في أعلامه [وأفعاله(٥)]؛ فمن هاهنا لزم البالغ المدرك أن يعلم أن لله رسولاً لا من قبل إخبار الناقلين؛ فلما لم يجز إلا بعثة الرسل، وكانت الرسل من البشر، وفي مثل تركيب المبعوث إليهم، وعباداً لله مثلهم - لم يجز تصديقهم على الله إلا بدلالة بيّنة وحجة قاطعة، يعلم الخلق بعجزهم عنها أن الله تولى ذلك على أيديهم، فجاءت الرسل بالآيات التي ليس في قوى الخلق المجيء بمثلها، فوجب تصديقهم على الله بعد الحجة والبيان.
  فمن أدرك أزمنتهم وشاهدهم في عصورهم، وقامت عليه حجتهم - لزمه الإقرار بهم، والتسليم لأمرهم، والقبول لما جاءوا به(٦)، وسقط عنه كثير من
(١) في هامش (أ، د) تعليق: أي دار الآخرة التي يثاب فيها المطيعون.
(٢) في (أ، هـ): أولها.
(٣) غير موجود في (ب).
(٤) في (د): كائن.
(٥) في (أ): وفعاله.
(٦) في نسخة شرح هذا للإمام أبي طالب زيادة لفظ: «والديانة لما دعوا إليه». (هامش أ، د).