[الجواب]
  يحل بين أحد وبين العمل، فمن عمل بالطاعة أثابه، ومن عمل بالمعصية عاقبه، ولم يخرج أحداً من معصيته جبراً، ولم يدخله في طاعته قسراً، فكان ما أعطى من الجن والإنس من الاستطاعات وترك قسرهم على الطاعات إرسالاً وتخلية منه لهم في الحالات، لا ما يقول به أهل الجهالات، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}[الأنفال].
  فلما خذل الكافرين بكفرهم ولعنهم بجرائمهم(١)، وتبرأ منهم بعصيانهم، غريت بهم الشياطين، وسولت لهم فأملت فاتبعوها ولم يعصوها ويبعدوها، ولم يتذكروا عندما يطيف بهم طائف الشيطان، بل تكمهوا وغووا وعموا، ولم يكونوا في ذلك عنده كالذين اتقوا فيفعلوا عند إلمام الشيطان بهم كما فعلوا، قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ٢٠١}[الأعراف]، يقول سبحانه: ذكروا ما نهاهم الله عنه من طاعته وأمرهم به من مخالفته واتخاذه عدواً حين يقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ٦}[فاطر]، فلما أن أطاف بالمؤمنين ودعاهم إلى ما أجابه إليه من الكفر بالله الفاسقون، ذكروا الله وتذكروا أمره ونهيه وما أمرهم به من طاعته وحذرهم من معصيته، فأبصروا الحق واجتنبوا اللعين وعصوه، وفيما دعاهم إليه من العصيان خالفوه.
  ألا تسمع كيف أثنى عليهم بذلك ربهم وذكر عنهم سيدهم وخالقهم حين يقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر: ٤٢]، يقول سبحانه: إن عبادي المؤمنين وأوليائي المتقين لا يجعلون لك عليهم سلطاناً ولا يطيعونك فيما تأمرهم به من العصيان، بل يحترسون منك بطاعة الرحمن، وبتلاوة القرآن، ويخلفونك صاغراً في كل شأن، فلا يجري ولا يجوز لك عليهم سلطان، وليس
(١) في (و): بجرأتهم.