مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 467 - الجزء 1

  اختار الضلالة والعمى، والله تبارك وتعالى فإنما حكم بالنيران على من اختار من الثقلين العصيان، أو كره ما أنزل الرحمن، فعلم الله وقع على اختيارهم وما يكون من أفعالهم، ولم يدخلهم في صغيرة، ولم يخرجهم من كبيرة، ولو علم أنه إذا دعاهم وبصرهم وهداهم أجابوه بأسرهم وأطاعوه في كل أمرهم، إذاً لأخبر بذلك عنهم، كما أخبر به عن بعضهم، وكذلك لو علم أنهم يختارون بأجمعهم المعصية، لحكم عليهم بالنار كما حكم على الذين كفروا منهم.

  وأما قوله سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣}⁣[السجدة]، فكذلك الله سبحانه لو شاء أن يجبر العباد على طاعته جبراً، ويخرجهم من معصيته قسراً لفعل ذلك بهم، ولو فعل ذلك بهم وحكم به عليهم لم يكن ليوجد ناراً ولا ليخلق ثواباً، ولكان⁣(⁣١) الناس كلهم مصروفين لا متصرفين، ومفعولاً بهم لا فاعلين، ولكنه سبحانه أراد أن لا يثيب ولا يعاقب إلا عاقلاً⁣(⁣٢) متخيراً مميزاً، فأمر العباد ونهاهم وبصرهم وهداهم، وجعل فيهم استطاعات ينالون بها المعاصي والطاعات؛ ليطيع المطيع فيستأهل بعمله وتخيره الثواب، ويعصي العاصي فيستوجب باكتسابه العقاب.

  فأما قوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣}، فهو: وجب وحق الحكم مني بما حكمت به ومضى ووقع عليه⁣(⁣٣) ما جعلته من عقاب المذنبين وثواب المحسنين من الجنة والناس أجمعين.

  فهذا معنى قوله سبحانه، لا ما قال المبطلون، ونسب إليه سبحانه الجاهلون، من ظلم العباد، والإدخال لهم في الفساد.

  تم جواب مسألته.


(١) في (ج، هـ): وكان.

(٢) في (ب، ج، هـ): عاملاً.

(٣) في (هـ): على.