مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب المسألة التاسعة والثلاثين]

صفحة 478 - الجزء 1

  وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ٧٤ إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ٧٥}⁣[الإسراء]، فإن الجواب في ذلك: أن رسول الله ÷ لم يركن إليهم بترخيص لهم في دينهم ولا إسعاف لهم في شيء من أمرهم ولا بتولي أحد منهم، ولكنه ÷ كان رحيماً رفيقاً حليماً وصولاً للأرحام كريماً، كان ÷ ربما رق لهم من العذاب - الذي أعد لهم ربهم - رحمة بهم⁣(⁣١)، فأنزل الله سبحانه عليه تحريم الرحمة لهم، فأمره والمؤمنين بترك الرحمة لأهل المعاصي الفاسقين، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٩}⁣[التحريم]، وقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}⁣[النور: ٢]، فثبته الله بما أنزل عليه من ذلك.

  فلما أن علم أن رحمتهم لله تُسْخِطُ - غلظ عليهم واشتد قلبه عن الرحمة بهم؛ لما أمره الله سبحانه فيهم، فكان ذلك تثبيتاً منه له عن أن يركن إلى ما يدعوه إليه الكرم والصلة للرحم من الرحمة، لا ما يقول الضالون على الله وعلى رسوله من أنه كاد أن يركن إليهم ويميل بالمحاباة في صفهم، ثم قال سبحانه: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}⁣[الإسراء: ٧٥]، يقول: لو رحمتهم ورفقت - من بعد نهينا لك عن ذلك - بهم لكنت لنا من العاصين، وكنت عندنا على ذلك من المعذبين.

  وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ١٣ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ١٤}⁣[الكهف]، فآخر هذه الآية دليل على


(١) في (ب، ج، هـ) بدل (ربهم رحمة بهم): رحمهم.