مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب المسألة الأربعين]

صفحة 479 - الجزء 1

  تفسير ما سأل عنه في أولها، ألا تسمع منه كيف ذكر عنهم ما ذكر من الإيمان والإخلاص لله الواحد الرحمن، فلما أن آمنوا زادهم إيماناً، وكذلك يفعل الله بعباده المؤمنين، ألا ترى كيف قال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ١٣ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} فكذلك يفعل الله بمن آمن واتقى كما يخذل من عند عن أمره وعصى، ولولا ما ركب فيهم من الاستطاعة أولاً ما نالوا زيادة الله لهم في الهدى آخراً، ولكن بما جعل فيهم من الاستطاعة ما يقدرون على الطاعة والعصيان، فآثروا الطاعة ورفضوا المعصية فصاروا بذلك مؤمنين، فاستأهلوا من الله الزيادة في كل خير، والدفع منه عنهم لكل ضير، ألا ترى كيف يقول: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ١٣} يقول: لما أن عملوا الطاعة بما فيهم من القدرة والاستطاعة زدناهم من الخير والكرامة.

  ثم قال الحسن بن محمد: وكذلك الله يفعل ما يشاء يضل من يشاء ولا يسأل عما يفعل والخلق يسألون، فتوهم - ويحه - أن الله سبحانه يضل عن سبيل الرشاد قوماً منعهم بالإضلال عن الرشاد، [وكيف يكون ذلك وقد أمرهم بالاهتداء]⁣(⁣١)، وبعث إليهم الأنبياء يدعونهم إلى البر والتقوى، وهم لذلك غير مستطيعين ولا عليه مقتدرين، لقد إذاً ظلمهم فيما إليه دعاهم؛ إذ عنه قد حجرهم⁣(⁣٢) وأغواهم، فتبارك الله عن مقالة الجهال من أهل الجبر والضلال.

[جواب المسألة الأربعين]

  وأما ما تكلم وموّه به فقال: إن سألونا عن أفعال العباد: مخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ ثم قال: هي مخلوقة إذ نسبها الله إليه كما نسب غيرها من أفعالنا إليه، من ذلك قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا}⁣[النحل: ٨٠]، وقال: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).

(٢) في (ب، ج): قد حجزهم.