مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب المسألة الأربعين]

صفحة 480 - الجزء 1

  وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}⁣[النحل: ٨١]، والسرابيل والبيوت فالعباد يعملونها وقد نسبها الله إليه، فكذلك أعمالنا هي منا، وهي فعله فينا.

  فجوابنا في ذلك: إنه بخلاف ما قال، وإنه قد أخطأ في القياس؛ إذ قاس أفعال العباد التي هم فاعلوها⁣(⁣١)، ومن بعد العدم أوجدوها، إلى ما فعلوا فيه من خرز الجلود، وعمل الحديد، ونسج الثياب، التي الله تبارك وتعالى خلق أصلها وأوجد أولها وصورها.

  فلما أن كان الله سبحانه الذي أوجد ذلك كله كان هو الجاعل له في أصله والممتن به على جميع خلقه، وأفعال العباد في ذلك فلم يخلقها الله سبحانه، ولكن الله أوجد ما ذكر من أصولها والعباد صنعوا ما صنعوا فيها، وعملوا ما عملوا منها، فنسب إليه صنع ما أوجد من هذه الأصول التي [قد]⁣(⁣٢) فرغت⁣(⁣٣) وجعلت ونقلت. فبين هذا وبين أفعال العباد فرق عند من كان له عقل.

  هل رأى أو سمع خلْقٌ في شيء من الكتاب المنزل أن الله سبحانه ذكر أنه فعل شيئاً مما فعلوه من الفجور والردى، وشرب الخمور⁣(⁣٤) وارتكاب الهوى؟ بل نسب ذلك كله إلى فاعله ونفاه سبحانه عن نفسه.

  فإن قالوا: إن الله سبحانه خلق الأدوات التي تكون بها الأفعال في كل الحالات، من الفروج والأيدي والألسن واللهوات، كما خلق الجلود والقطن والحديد والصوف - فنحن نقول: إذ قد أوجد أصل أفعال العباد أنّ منه أفعالهم، كما نقول إن السرابيل منه إذ أوجد أصولها.

  قلنا لهم في ذلك: ليس هذا كذلك؛ لأن الله سبحانه أوجد الأصل الذي نقل


(١) في (ب، ج، و): فعلوها.

(٢) زيادة من (ط).

(٣) في (ب، ج، و): فرعت.

(٤) في (ب، ج، هـ، و): الخمر.