مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الحادية والأربعون: هل العباد مجبورون على الأعمال؟]

صفحة 482 - الجزء 1

  ذي الفسالة والردى، فالله ø يعذبه على زناه وإدخاله وإخراجه وحركاته، لا على ما خلقه له من الفرج. فخلق الله الآلات وما أنعم به على العباد من الأدوات لينالوا بها المنافع واللذات من طريق ما أحل لهم لا من وجه ما حرم عليهم، ثم أمرهم في ذلك باجتناب المعصية وحضهم على فعل الطاعة.

  وأما ما سأل عنه وفيه قال بالمحال، وقاس على مقاييس الضلال فقال: قال الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ٢٤ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٢٥}⁣[إبراهيم]، فقال: ألا ترون أن الله خلق الثمرة في الشجرة فأخرجها منها؟ ثم نسب الثمرة إليها فقال: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} فكذلك نقول: [إن]⁣(⁣١) أعمال العباد الله سبحانه خلقها والعباد عملوها، ثم نسبها إليهم وأخبر أنهم عملوها.

  فقولنا في ذلك: إنه غالط في القياس، أو أراد معنى فأخطأ في مقاله؛ لأنه مثّل ما ليس بمأمور ولا منهي فقاس فعل العباد فيما⁣(⁣٢) أوجدوه بفعل الله الذي لم يفعلوه.

  وإنما قياس الشجرة وما أوجد الله سبحانه فيها من الثمرة قياس الناقة والامرأة، الله سبحانه خلق الأولاد فيهما وهما ولدتا، قال الله سبحانه في امرأة عمران وفيما نذرت مما في بطنها للرحمن حين يقول: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}⁣[آل عمران: ٣٦]، فقال: {وَضَعَتْهَا} فنسب الولد وما كان من تخليصها وتسليمها في وضعها لها إليها، والله سبحانه الذي جعلها في بطنها وأخرجها بقدرته منها، ولولا إخراجه لها وتخليصه إياها إذاً لم تخلصها أبداً أمها، قال الله ø في ذلك: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ١٩}⁣[الروم]، فلا يشك أنه هو المخرج والمخلص للولد من الظلمات


(١) زيادة من (ط).

(٢) في (ب، ج، هـ، و): وما.