[المسألة الحادية والأربعون: هل العباد مجبورون على الأعمال؟]
  الثلاث من المشيمة والرحم والبطن، قال الله سبحانه: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ٦}[الزمر]، وقال ﷻ عن أن يحويه قول أو يناله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}[العنكبوت: ٨]، فنسب إليهما ولادتهما إياه؛ إذ كان الخارج منهما والمصور فيهما، والله سبحانه المصور له والمقدر تصويره وخلقه، فكذلك نسب إلى الشجرة إيتاء أكلها وهو الخالق لها ولثمرها.
  فأما قياس أفعال العباد التي نهوا عنها وأمروا بها وعوقبوا عليها وأثيبوا بها، فليس هذا قياسها، وسنأتي به ونذكر إن شاء الله ما هو مثلها فنقول لمن قال: إن الله سبحانه خلق أفعال العباد وركبها فيهم وأنطقهم بها وقضى بها عليهم، ثم نسبها إليهم -: ما تقول إذا قلت ذلك وكان الأمر عندك كذلك في مشرك أشرك بالله وجحده؟ وفي قتل من قتل الأنبياء بغير حق؟ الذين قال الله فيهم: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران: ٢١]، آلله فعل ذلك بهم كما فعل غيره من أفعالهم؟ فإن قالوا: نعم، الله فعله وخلقه وقضاه وركبه فقد زعموا أن الله ø كفر بنفسه وأمر بالشرك به، وقتل أنبياءه، وهذا فأكفر الكفر، وأجهل الجهل بالرحمن ø، عند كل من عرف الحق وكان ذا إيمان.
  وإن قال: لا. رجع عن قوله، وتاب إلى ربه. وإن قال: فعل الطاعة وخلق بعض المعصية، ولم يفعل عظائم العصيان، ولا فوادح ما تأتي به من الكفران. قيل له: فلا نراك إلا قد أثبت للعبد فعلاً لا محالة دون الرحمن، فإن جاز أن يكون من العبد فعل لم يخلقه الله ولم يفعله جاز أن تكون له أفعال كثيرة وأمور جمة غير يسيرة، والأمر في ذلك فعلى قولنا لا قولك، وشرحنا - بحمد الله - لا شرحك؛ لأنك قد أجمعت معنا على قولنا إذ قد أقررت لنا ببعض فعلنا ونفيته عن خالقنا وربنا، ونحن لا نطيعك في قليل من ذلك ولا كثير، ولا ننسب إلى الله من أفعال عباده عظيماً ولا حقيراً، فهذا قياس ما إليه ذهب، لا ما ارتكب فيه من المحال والعطب.