مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الحادية والأربعون: هل العباد مجبورون على الأعمال؟]

صفحة 486 - الجزء 1

  لجميع ما قِيد إليه وصرف من الأفعال فيه.

  فعلى المعنى الأول [ما]⁣(⁣١) يخرج تفسير الآية، لا على المعنى الثاني، الذي توهم الحسن بن محمد أن عليه يخرج معناها، ولو كان ذلك كذلك أو قارب شيئاً من ذلك لكان جميع الخلق لله مطيعين، وفي أمره سبحانه متصرفين، طائعين كانوا أو كارهين، ولو كان كما يقول هو ومن معه من الجاهلين؛ إذاً لما وجد أنبياء الله لله في الأرض عاصين، ولكان الله تبارك وتعالى بإكراهه لهم على طاعته وإدخالهم قسراً في مرضاته مجتزئاً مكتفياً عن نهيهم عن معصيته، ولما احتاج الخلق إلى المرسلين، ولما حذرهم الله ما⁣(⁣٢) حذر من مردة الجن والعالمين.

  وأما قوله: {طَوْعًا وَكَرْهًا} فالمطيع منهم في ذلك هو: من أطاع الحجة المركبة فيه، والشاهدة بالحق له وعليه، من اللب الذي ينال به التمييز بين كل شيئين، ويثبت له به الرضا والسخط في الحالين، فمن أنصف لبه، وقبل ما أدى إليه معقوله من معرفة ربه، كان منصفاً طائعاً، متحرياً للحق خاضعاً.

  والمكره فهو: من كفر وتعدى وكابر لبه، وأبى، وعَنَد عن الحق وأساء حتى أدركه البلاء، واشتد عليه الشقاء، ونزلت به النوازل، واغتال لبه في ذلك الغوائل، ورجع صاغراً إلى إنصاف لبه، ولجأ فيما ناله إلى ربه، واستسلم وأسلم له كما ذكر ذو الجلال ممن تعدى في الغي والمقال⁣(⁣٣)، حين يقول ويخبر عنهم ويقص ما كان من أخبارهم حين يقول ويخبر عن فرعون حين يقول، فقال: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠}⁣[يونس]، ومثل قوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ٦٥}⁣[العنكبوت]، ومثل قوله: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً


(١) في (ب، ج، هـ، و): وتكون موصولة أو زائدة.

(٢) في (ب، ج، هـ): من.

(٣) في (ب، ج، هـ): والضلال.