مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الحادية والأربعون: هل العباد مجبورون على الأعمال؟]

صفحة 487 - الجزء 1

  إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ٣٣}⁣[الروم].

  وأما معنى تحبيب الله ø إلى العباد الإيمان، وتكريهه للكفر والفسوق والعصيان، فهو: بما جعل وحكم لمن آمن واتقى من الجنان والنعيم والجزاء والإحسان، وبما كان يريهم ويشرعه لديهم من نصر المؤمنين، والإظهار لحجتهم، والإعزاز لدينهم.

  والتكريه منه لما ذكر فهو: بما أوجب على فاعل ذلك من العقوبات في الآخرة بالنيران، وفي الدنيا بالقتل والسبي والذل والخذلان.

  فلما جعل ما جعل من الثواب للمؤمنين، وما أعد وحكم بما حكم به من العقاب على الكافرين - رَغِب الراغبون في الثواب وأوجبوا له الإيمان وآمنوا، وهاب واتقى وخاف العقاب الخائفون فاتقوا، وكرهوا الكفر والفسوق والعصيان لخوف العقاب فاهتدوا، وزهد أهل الكفر في كفرهم؛ لما يرون من ذلهم وصغارهم، وظهور الحق والمحقين واعتلائهم، فتركوا الفسوق ودخلوا في الحق، فهذا إن شاء الله معنى ما ذكر من ذلك العلي الأعلى، لا ما قال وذهب إليه أهل الإفك على الله، وقالوا فيه من الجبر للمخلوقين على ما يكون من أفعالهم، والإدخال لهم بالقسر في فاحش أعمالهم من الغي والفجور والمنكرات والشرور، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين وسلام على المرسلين.

  ثم قال: إن قال قائل: خبرونا عن المشركين الذين لم يسلموا هل جبروا على الشرك؟ قيل له: إن المشركين لم يريدوا الإسلام فيجبروا على الشرك، وذلك لو أنهم أرادوا الإيمان وأكرهوا على الشرك كما أراد المشركون الشرك ورضوا به وأراد الله جل ثناؤه أن يهديهم فجبرهم على الهدى وهم كارهون.

  ثم قال: فإن قال [قائل]⁣(⁣١): فإن لم يكونوا مجبورين ولا مكرهين فهل يستطيعون ترك الشرك وقبول الهدى؟ فقل: لا، إلا إن شاء الله.


(١) سقط من (ب، ج، هـ).