مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ذكر الفترة والعمل فيها]

صفحة 48 - الجزء 1

  وبلغوا ما عليهم من فرض النصيحة، وأنفذوا شرائط الله عليهم في خلقه، ووقفوا العباد على سبيل النجاة، وسلكوا بهم منهاج السلامة، وحذروهم طرق الحيرة، واحتملوا في جنب مرضاته الصبر في البأساء والضراء، À ورحمته.

[ذكر الفترة والعمل فيها]

  وفيما بين أزمنة الرسل فترات في مثلها يتحير الضُلَّال، ويدفن الحق، ويغمض البرهان، بتظاهر الجبارين على أولياء الله، وهنالك يندب الشيطان ولاته، ويبث دعاته، وينصب حبائله، ويدخل على الناس الشبهة، ويضطرهم إلى الحيرة، وليست فترة من الهدى، ولكنها فترة من الرسل، وفيها كتبه وحججه، وبقايا من أهل العلم، يُحْيُون العلم ويَحْيَون به، قد وجهوا لله رغبتهم، وامتحنهم الله بأهل دهرهم، قد تمسكوا بنور كتابه وعرفوا مواقع حججه في كل بدعة حدثت، أو شبهة نزلت، فهم من الناس في أذى وجهد، ومن الله في كلاءة وحفظ، فهم الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله قدراً، ولن تخلو أمة من مغتال لها مفرق لجماعتها، وآخر داعٍ إلى هداها وصلاحها.

  فمن نظر فاعتدلت فطرته، وصفت طبيعته، وكان نظره بعين النصيحة لنفسه، قد ملّك عقله الحكم على هواه⁣(⁣١)، وقيّد شهواته بأسار الذل تحت سلطان الحكمة، فأسلمه ذلك إلى مباشرة اليقين بربه، فاستلان ما استوعر منه المترفون، واستأنس إلى ما استوحش منه الجاهلون، وصحب الدنيا أيام حياته، وقلبه معلق بالمحل الأعلى، لا تعتريه سآمة ولا فتور من طلب ما أمل من عيش مقيم، قد أيقن بالخَلَف فجاد بالعطية.

  دله الله فاستدل، وخاطبه ففهم عنه أحسن الإرشاد، طيبة نفسه بكل ما بذل


(١) في (هـ): ما يهواه.