مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 489 - الجزء 1

[الجواب]

  فقولنا في ذلك: إن الله سبحانه ركب الاستطاعة في عباده وجعلها في جميع خلقه المأمورين المميزين، ومنهم الملائكة المقربون À، ثم أمرهم ونهاهم من بعد أن أوجد فيهم ما أوجده سبحانه في غيرهم من الاستطاعة الكاملة، والنعمة الشاملة، وأمرهم ونهاهم، ولولا ما ركب فيهم من الاستطاعة لما جرى أمره عليهم، من ذلك قوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}⁣[البقرة: ٣٤]، فأمرهم بالسجود من أجله، ولما رأوا ما ابتدع من جليل صنعه، ولعظيم ما فيه من قدرته؛ إذ خلقه من طين من صلصال من حمأ مسنون، والمسنون فهو: ما داخله الأُجُون⁣(⁣١) فأسنَ⁣(⁣٢) لذلك وأجن وتغير، فصار لما فيه من الأجون حماً⁣(⁣٣) كما ذكر الله مسنوناً⁣(⁣٤)، ثم صوره رجلاً، ثم نفخ فيه الروح، فصار جسماً متكلماً لحماً وعروقاً وعظاماً ودماً، يقبل ويدبر ويورد ويصدر، بعد أن كان طيناً لازباً.

  فسجد الملائكة $ لله المهيمن ذي الإنعام من أجل ما أحدث في آدم صلى الله عليه من الخلق وجعله أباً لكل الخلق، فكانوا بائتمارهم في ذلك لله مطيعين، وعليه مثابين، ولأمر الله مؤدين.

  ولو لم يكن فيهم استطاعة، ولا ما يقدرون به على السجود من الآلة، لم يأمرهم سبحانه بما لا يستطيعون، ولم يكلفهم - العدل الجواد - ما لا يطيقون؛ لأنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأعدل العادلين.

  وليس ما ذكر المبطلون وقال به الضالون من صفات الرحيم، ولا من أفعال العزيز العليم؛ لأن من أمر مأموراً بأن يفعل مفعولاً لا يقدر على فعله كان بلا شك ظالماً له في أمره، وكان قد كلفه في ذلك محالاً وكان له بذلك غاشماً ظالماً،


(١) أجُن الماء، أجن، أجنا وأجونا: تغيّر طعمه ولونه رائحته. (معجم وسيط).

(٢) أي: فسد.

(٣) الطين الأسود المنتن. (معجم وسيط).

(٤) طين مسنون منتن فاسد الرائحة. (معجم الرائد).