[ذكر الفترة والعمل فيها]
  في جنب الله؛ لأنه هجم على اليقين، وانس بالتقوى، فضمنت له النجاة، وخرج من غمرات الشكوك إلى روح الاستيقان، فأقام الدنيا مقامها الذي أقامها الله [عليه(١)]، واستهان بالعاجلة وآثر العاقبة، ومهد لطول المنقلب، ولن يعدم أن يكون في الخلق من قد استبهم(٢) عن الفهم، وولج في مضايق الحيرة، أعمى حيران يدعو إلى العمى، ويقول: أعتزلُ البدع وفيها اضطَجَعَ، ويقول: أجتنبُ الشبهات وفيها وقع، متبع لآثار أوليه، مقتد بآبائه، أكثر ما عنده تقليد أسلافه، وائتمان أكابره، والإنسان على ما جرت به(٣) تربيته، والإلف إلى ما سبق إلى اعتقاده، ضنين بفراق عادته، لم يتقسم التفتيش قلبه، ولم يجتز(٤) في طرق البحث فكره، ولم تميزه المناظرة، فلم يعتوره الاحتجاج، ولم يتنسم روائح اليقين، ولا نظر في العلل التي معرفتها نهاية الاستبصار، متوسد غمرة الاختلاف، وحيرة الفرقة، غفل عن تمييز الأمور، فهو عقيم القلب عن(٥) لقاح الهدى، ظمآن إلى مرشد يحسن تبصرته، ويريه الحق من وجوهه، وليس على اليقين مما اعتقد، والظن مستول على قلبه، والشبهة دواءه، والحيرة ثمرته، نتاج إرادته كثرة(٦) الاختلاط، ولكل أمر سبب، والعلل كثيرة والأسباب متفاوتة مجتمعة ومفترقة، لا يميزها إلا من وطئ أوائل الأمور التي بها يهجم على معرفتها، ولكل شيء منها حد متى تُعدِّي سَلَّم متعديه إلى الهلكة؛ لأنه جزع(٧) الحدود المضروبة له.
(١) زيادة من (ب).
(٢) أي: دخل في طبع البهائم. (هامش أ، د).
(٣) في (أ، ب، ج): عليه.
(٤) في (ب): يجر. وفي (ج): يمتحن.
(٥) في (ب، ج): من.
(٦) (كثرة) غير موجودة في (ب، ج).
(٧) «جاز» نخ هامش (أ، د).