[الدليل على نبوة محمد ÷]
  وبعد، فلو آمن الناس كلهم بموسى وصاروا على دينك بطلت نبوة موسى؛ إذ زعمت أن الأخبار لا تصح إلا بالمخالفين. فبهذه وللنصارى مثلها على اليهود، فافهمها.
  ومن دلالته صلى الله عليه وعلى أهل بيته وعلامته هذا القرآن، لا يقدر أحد أن يدعيه ولا أنه جاء به أحد غيره ÷، فقد(١) أعجز أهل دهره من الفصحاء والبلغاء، فلم يقدر إلى يومنا هذا كل الخلق أن يأتوا بمثله أو بسورة منه، ليس يشبه الشعر ولا الرجز ولا الخطب، باين من كلام المخلوقين، وفيه أخبار الأولين والآخرين.
  وبعثه ÷ والعرب متوافرة ليس فخرهم إلا الشعر والبلاغة والخطب فتحداهم بأجمعهم من أن يأتوا بسورة من مثله، عجزوا وأقروا بالعجز.
  فعلمنا إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثله وهو بلغتهم - أن غيرهم أعجز، وعلم أهل النهى إذ عجز الخلائق عن مثله أنه من عند أحكم الحاكمين، وأنزله على رسوله ÷ نوراً وهدىً للعالمين.
  ومن معجزاته أن قوماً من آل ذريح وهم حي من أحياء العرب وهم بمكة أرادوا أن يذبحوا عجلاً لهم وذلك في أول مبعث النبي ÷، فلما أضجعوه ليذبحوه أنطق الله العجل فقال: «يا آل ذريح، أمر نجيح، صائح يصيح بلسان فصيح، يؤذن بمكة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله»، فتركوا العجل وأتوا المسجد فإذا رسول الله ÷ قائم في المسجد وهو يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله» ÷(٢).
(١) في (ب، هـ): قد.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات (١/ ١٢٥)، وابن كثير في السيرة (١/ ٣٤٦)، والبيهقي في الدلائل، وأبو يعلى الموصلي في معجمه، وغيرهم.