مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[في استحقاق الأئمة للإمامة]

صفحة 506 - الجزء 1

  الإمام من الأمور المعجزات لأهل دهره؛ من حسن علمه، ودقائق فهمه، وحسن تعبيره وتمييزه، والمعرفة بالتأني لتعليم رعيته وتفهيمها بما تحتاج إلى فهمه حتى يكون معه من الشرح لما يسأل عنه، والتبيين لما يأتي به، والاحتجاج فيه وعليه بالحجج البالغة والبراهين النيرة التي لا توجد عند غيره، ولا ينال شرحها والاحتجاج بها سواه، مع التأني لقبول عقول العالمين لما به يأتي من الحق المبين، والأمر المنير⁣(⁣١)، مع استنباطه لعلم دقائق الكتاب، ودقائق الحلال والحرام في كل الأسباب، التي لا يقع عليها إلا من تولى الله اللطف له، وتوحد بالهداية لقلبه، ممن قلده أمر رعيته، وحكم له بالإمامة على بريته.

  وهذه الأشياء التي ذكرنا من حسن البيان والشرح، وإيضاح ما يحتاج إليه من دقائق حسن التعبير وجيد التمييز، الذي لا يوجد في سواه فهي العَلَم والدليل على إمامته وعقد الله سبحانه ما عقد له منها، وذلك يا بني العَلَم الأكبر والدليل الأوفر على عقد الله الإمامة لمن كان ذلك فيه وعنده ولديه.

  والحجة فيما قلنا به من أن هذا أكبر الأعلام والدلائل: أن الله تبارك وتعالى تعبَّد الخلق بمسموع ومعقول، فالمعقول: ما أدرك بالنظر والتمييز بالعقول. والمسموع: فهو ما يسمع بالأذن من المسْمِع المؤدي من نبي أو وصي أو إمام مهتد.

  وإذا كان فرض الله ومتعبده لخلقه بالمسموع كانت حاجة السامع إلى تأدية المسمع لازمة؛ إذ كانت حجة الاستماع على المستمع واجبة، وإذا كان ذلك كذلك احتاج الإمام المسمع للرعية إلى أن يكون في الكفاية والفهم [والمعرفة بالشرح والتبيين ودقائق حسن التعبير وجيد التفصيل ومبين التفهيم]⁣(⁣٢) والمعرفة بالتأني لتعليم الرعية، وتفهيم البرية، لما يحتاجون إليه على غاية ما يكون؛ لأن ذلك كله تأدية عن الله لما افترض على الخلق من المسموع، فإذا كمل


(١) في (ب، هـ): المستبين.

(٢) ما بين المعقوفين سقط من (ب، هـ).